
الحرب “الاثنتا عشرية”؛ الحصيلة والدروس
محمد الخلوقي
انتهت حرب الاثني عشر يوما التي بدأتها إسرائيل ضد إيران، وأنهتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكل طرف ذهب لجرد خسائره ومكاسبه، وإعداد العدة للمعركة القادمة، لأن الحرب ستطول. حرب إيديولوجية دينية وجودية، ولا يستبعد أن يكون اختيار العدد اثني عشر في هذا الإطار. ضرب إيران لم يكن مستبعدا؛ وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق[1]. إذ أنه بعد إضعاف ما يسمى بأذرع إيران على المستوى الخارجي حزب الله وحماس، وسقوط الحليف الرئيسي لإيران في المنطقة نظام بشار الأسد، تمكنت إسرائيل من الانفراد بإيران، وتحقيق طموح الكيان بمهاجمتها بشكل مباشر، بداعي قرب امتلاكها القنبلة النووية.
دون الخوض في قانونية هذه الحرب، والتي تعَدّ عدوانا إسرائيليا على الجمهورية الإيرانية، لأن قواعد القانون الدولي تصبح لاغية إذا تعلق الأمر بالدولة العبرية أو القوى الكبرى، يمكن قراءة هذه الحرب السريعة من عدة زوايا، منها أن إيران وإسرائيل أصبحا وجها لوجه، وأنّ زمن الحرب بالوكالة الذي كانت تمارسه إيران انتهى أو تجمّد على الأقل في الوقت الراهن، إذ لم نلمس أي تدخل من حزب الله أو “جماعة الحوتي” بشكل متوازِ مع الرد الإيراني، الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الضربات الإسرائيلية السابقة أنهكت الأذرع الإيرانية، وأضعفتها بشكل كبير.
أبانت هذه المواجهة على تفوق استخباراتي وتكنولوجي للكيان الصهيوني أمام عجز إيراني واضح، يمكن تقبل هذا الأمر الناتج عن سنوات من الحصار والعقوبات، والذي كان تأثيره كبيرا خصوصا على الطيران الحربي الإيراني حيث كانت سماء إيران مستباحة من لدن الطيران الإسرائيلي. غير أن الضربات الإيرانية التي وصلت عمق دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد استيعاب صدمة الهجوم الأول، أظهرت مدى هشاشة هذا الكيان، وأن القوة العسكرية التي يتمتع بها لا يقابلها أي دعم شعبي من لدن الإسرائيليين الذين هرعوا إلى الملاجئ والمطارات، عكس الدعم الذي حظي به النظام الإيراني شعبيا وحتى من قوى المعارضة. فالحرب ليست سلاحا عسكريا فقط بل هي حرب نفسية ومعنوية إذا فقدت عند أي طرف فقد أهم سلاح؛ ولنا في غزة دروس وعبر في هذا الشأن.
لا شك أن كلتا الدولتين لها طموح الهيمنة في المنطقة، وتسعى إلى تقديم نفسها أكبر قوة في المنطقة، هذا الأمر غير مسموح به لإيران التي تسعى لاستعادة الإرث الفارسي القديم، والذي ترى فيه دول المنطقة تهديدا وجوديا لها، وتجد فيه الدول الغربية تهديدا جيوسياسيا بحكم القرب الإيراني من روسيا والصين. بينما إسرائيل الحليف التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية تملك “البطاقة الخضراء”، وتتمتع بغطاء أمريكي غربي لضمان التفوق في المنطقة، وخدمة المصالح المتبادلة.
أمام هذا التنافس المحموم، تلعب الدول العربية دور المتفرج، ويتضح غياب رؤية استراتيجية لكسر ذلك السعي نحو الهيمنة، فبعد سقوط العراق وبشكل أقل سوريا -بالنظر إلى ميولها الإيراني-؛ وجب على العرب السُّنة -لا يجب أن نتهم بالتفرقة والطائفية بالنظر إلى المشروع الإيراني الشيعي والصهيوني الإسرائيلي- أن يكون لهم مشروعهم الخاص، بدءا بتوحيد الصف الخليجي ومن ثم العربي. أرى في الالتفاف على المملكة السعودية ودعم الجمهورية المصرية خطوة أولى للوقوف أمام مشاريع الإخضاع في منطقة الشرق الأوسط. التعويل على المظلة الأمريكي لن يمنح العرب أي تقدم استراتيجي، وذلك لا يمنع الدخول في تحالفات حذرة وخاصة تنويع الشركاء، فباكستان التي كانت حليفا تقليديا للولايات المتحدة الأمريكية انتصرت في معركتها القصيرة على الهند بسلاح صيني.
الولايات المتحدة الأمريكية لازالت تتحكم في مجريات الصراع على المستوى العالمي، يتبين ذلك من خلال توسطها أو ضغطها على باكستان والهند لإنهاء مواجهتهما العسكرية، كما أنها أنهت العدوان الإسرائيلي على إيران رغم مشاركتها فيه، فالتفوق الذي حققته إسرائيل على المستوى العسكري لم يكن ليتحقق دون الدعم العسكري الأمريكي. هذا الدعم اللامتناهي يجعل من جميع حلفاء الولايات المتحدة العرب حلفاء درجة ثانية، لأنها لن تسمح بأي تفوق عسكري على حليفتها التقليدية سواء كان عربيا أو تركيا أو إيرانيا، الأمر الذي يحيل إلى ضرورة التفكير في كيفية تحقيق التفوق لمجابهة التغول الإسرائيلي.
إن ما يمكن استخلاصه من الحرب الهندية الباكستانية والإسرائيلية الإيرانية أنّ حماية المصلحة القومية لكل دولة يستلزم امتلاك وسائل الردع، أقصاها امتلاك السلاح النووي، والذي أصبح سلاحا دفاعيا أكثر من كونه هجوميا، يعطي للدولة مناعة ضد أي هجوم أجنبي أكثر من أي سلاح آخر. كذلك تعزيز ودعم الصناعة العسكرية المحلية، وكما أشرنا سابقا تنويع الشركاء العسكريين، كما أنّ أًأْمن تحالف هو التحالف “العربي العربي” لوحدة المصير والعدو؛ تحالف حديث يحتفظ للدولة القُطْرية بسيادتها وخصوصياتها، يجمع بين شاكلة الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وسياسيا وحلف الناتو عسكريا. فدول الاتحاد الأوروبي لا تستحيي من كون دعامتها الأساسية تتمثل في فرنسا وألمانيا وإلى حد ما إسبانيا وإيطاليا، الأمر الذي لا تنظر إليه دول كبلجيكا وهولاندا أنه انتقاص من قوتها بل أن هذه الدول ترى قوتها في هذا الاتحاد.
ليس المقام هنا للتذكير بما تتميز به الدول العربية من مقومات التكامل الاقتصادي والثقافي والجغرافي، لأن هذا الأمر معروف، لكن للتنبيه من خطورة الصراع على الهيمنة في المنطقة، والذي لا يقتصر على إيران وإسرائيل، إذ يمكن إضافة تركيا غير البعيدة عن هذا التنافس.
لقد انتهت الجولة الثانية من الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث اختبر الطرفان بعضهما البعض بشكل مباشر، بعد أن كانت مواجهة غير مباشرة عبر الأذرع، لن تتوقف المواجهة هنا، ولازالت العديد من الجولات التي ستخاض في ميدان الشرق الأوسط؛ يجب أن تكون الدول العربية على أتم الاستعداد لها.
[1] – مؤشرات التوجه نحو حرب عالمية ثالثة، منشور على موقع صحيفة رأي اليوم، بتاريخ 1 يناير 2025.
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية قلعة السراغنة
جامعة القاضي عياض -مراكش-
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: