«لؤلؤة أفريقيا»… أوغندا أمام تحديات سياسية واقتصادية

«لؤلؤة أفريقيا»… أوغندا أمام تحديات سياسية واقتصادية

يويري موسيفيني… طامح لولاية سابعة بعد أربعة عقود من الحكم

متعهداً بـ«تنمية اقتصاد بلاده»، أعلن رئيس أوغندا يويري موسيفيني، البالغ من العمر 81 سنة، اعتزامه الترشح لولاية رئاسية سابعة، مستكملاً مسيرة بلغت نحو أربعة عقود تصدَّر طوالها المشهد السياسي في بلاده، عقب تمرد مسلح دام خمس سنوات ضد حكومات ما بعد الاستقلال في أوغندا… حمله من «حرب الأدغال» إلى كرسي الحكم عام 1986. يجمع موسيفيني، الذي يلقبه الإعلام المحلي بـ«الرئيس الأبدي» و«جندي الأدغال»، بين صورة المناضل الثوري، ورمز الدولة الحديثة، والقائد الذي لا يسمح بالطعن في سلطته أو المساس بمقعده في الحكم. وعبر منصة «إكس»، أعلن موسيفيني رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يناير (كانون الثاني) من العام المقبل؛ ما قد يمدّد فترة حكمه للدولة الواقعة في شرق أفريقيا إلى ما يقرب من نصف قرن، وسط اتهامات دأب على نفيها بقمع المعارضة واستخدام الأمن لإحكام قبضته على السلطة.

يقول يويري موسيفيني إنه يسعى إلى إعادة انتخابه من أجل تنمية البلاد إلى «اقتصاد حجمه 500 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة»، مقارنةً بناتج أوغندا المحلي الحالي المقدّر بنحو 66 مليار دولار، وفق بيانات وزارة المالية الأوغندية.

ولكن، لا يُتوقع أن تختلف الانتخابات الرئاسية المقبلة كثيراً عن سابقتها؛ إذ يُرجّح أن يكون منافس موسيفيني الأبرز نجم «البوب» روبرت كياجولاني (بوبي واين)، الذي حلّ ثانياً في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2021. ويومذاك، رفض قبول نتائجها بحجة أنه «شابها تزوير وتخويف ومخالفات عدة سلبت منه الفوز». هذا، وفي حين يرى مؤيدو موسيفيني فيه «رجل دولة» أعاد الاستقرار، وبنى جيشاً محترفاً، وقاد التنمية، يعتبره معارضوه تجسيداً للمشكلة الأفريقية المزمنة… أي التمسك بالسلطة، والتسبب بتآكل الديمقراطية، وتقديس «الحاكم الفرد».

نشأة ريفية رعوية

وُلد يويري كاغوتا موسيفيني يوم 15 أغسطس (آب) عام 1944، إبّان الحرب العالمية الثانية، في منطقة أنكول بغرب أوغندا. واشتق اسمه من «أبيسيفيني»، وهم جنود أوغنديون في الفوج السابع من «جيش الملك» بأفريقيا الذي كان يلتحق به كثرة من الأوغنديين، عندما كانت البلاد تحت الحكم البريطاني.

ونشأ يويري في بيئة ريفية تقليدية امتهنت فيها عائلته الرعي. ونظراً لحياة عائلته الرعوية؛ لم يحصل معظم أفرادها على نصيب من التعليم، لكن يويري تمكّن من ذلك، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس محلية، قبل أن ينتقل إلى مدرسة نتاري، إحدى المدارس الثانوية النخبوية التي خرّجت كثيرين من النخبة السياسية والعسكرية في البلاد.

في تلك الفترة، تسبّبت سياسات الاحتلال البريطاني، لا سيما، مخططات تربية المواشي، في تشريد عائلته وكثيرين من سكان منطقته من أراضيهم. وفي مواجهة هذه السياسات بدأ موسيفيني نشاطه السياسي مبكراً. ففي عام 1966، قاد حملة لحشد الفلاحين في شمال أنكول بهدف «تسييج» أراضيهم ورفض إخلائها.

تحوّل سياسي

إلا أن التحوّل الحقيقي في مسار يويري موسيفيني، الذي يقول إنه «شكّل وعيه السياسي»، بدأ خلال فترة دراسته في جامعة دار السلام (1967 – 1970).

هناك درس العلوم السياسية والاقتصاد، واطلع على أفكار كارل ماركس وفلاديمير لينين وغيرهما، وعُرف عنه توجّهه الماركسي، كما تأثر بالفكر الثوري وموجة الحركات التحرّرية التي كانت تجتاح أفريقيا، وارتبط بعلاقات مع عدد من قادة التمرّد والحركات الاشتراكية.

وآنذاك؛ نظراً لسخط طلبة الجامعة على أفكار بعض الأساتذة اليمينية، شكّل موسيفيني ومجموعة من الطلاب «الجبهة الثورية الأفريقية لطلاب الجامعات» في أفريقيا (USARF) عام 1967. وضمّت الجبهة طلاباً من أوغندا، وتنزانيا، وملاوي، وكينيا، وزيمبابوي، وإثيوبيا والسودان، وكان من أعضاء المجموعة في تلك الفترة جون قرنق الذي تزعّم فيما بعد «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وشغل منصب النائب الأول لرئيس جمهورية السودان قبل الانفصال.

موسيفيني كان طيلة فترة دراسته الجامعية رئيساً لتلك «الجبهة»، التي ارتبط نشاطها بحركات التحرير الأفريقية، خاصة «جبهة تحرير موزمبيق» (فريليمو)، التي زارها موسيفيني مع مجموعة من الطلاب وتلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات «فريليمو».

وبعد إكمال دراسته الجامعية عاد موسيفيني إلى أوغندا والتحق عام 1970، بالاستخبارات الأوغندية في عهد الرئيس الاستقلالي ميلتون أوبوتي، لكنه غادرها إلى تنزانيا بعدما أطاح الجنرال عيدي أمين حكم أوبوتي.

حرب الأدغال

أسس موسيفيني عام 1973 «جبهة الخلاص الوطني»، وشارك مع تنظيمات مسلحة أخرى في حرب تنزانيا ضد عيدي أمين، التي أدّت إلى هزيمة الأخير وفراره من البلاد.

وعلى الأثر، انضم موسيفيني إلى الحكومة المؤقتة بقيادة أوبوتي بعد الإطاحة بعيدي أمين في 1979، وعُيّن وزيراً للدفاع. غير أنه سرعان ما اصطدم بالنظام، تحديداً بعد انتخابات 1980، التي فاز بها أوبوتي وسط اتهامات واسعة بالتزوير، لتدخل البلاد منذ عام 1981 في حرب عصابات أسقطت آلاف الضحايا.

موسيفيني رفض نتائج الانتخابات، وأسس ما عُرف بـ«الجيش الوطني للمقاومة» (NRA)، وبدأ تمرداً وحرب عصابات ضد الحكومة، عُرفت لاحقاً بـ«حرب الأدغال»، التي استمرت خمس سنوات، وتركّزت في مناطق الغابات والمناطق الغربية، بدعم شعبي متزايد.

لقد اعتمد موسيفيني على تحالف واسع من المقاتلين الريفيين والمثقفين، واستفاد من الفوضى التي اجتاحت أوغندا عقب سقوط أوبوتي مجدداً عام 1985، في انقلاب قاده الجنرال تيتو أوكيلو.

وفي يناير (كانون الثاني) 1986، تمكن موسيفيني من السيطرة على العاصمة كمبالا معلناً نفسه رئيساً لأوغندا، ومتعهداً بتغييرات جذرية. ولا تزال «حرب الأدغال» جزءاً من ميراثه الذي يسعى لإحيائه باستمرار، ففي عام 2020 قبيل ترشّحه لولاية سادسة، بدأ موسيفيني مسيرة لمدة 6 أيام عبر الغابة، لمسافة نحو 195 كم (121 ميلاً)، قال إنها «تهدف لتسليط الضوء على مسيرة التحرير، بتتبع طريق قواته عام 1986، عندما سيطروا على السلطة بعد سقوط عيدي أمين وميلتون أوبوتي».

إشادات دولية

جاء موسيفيني إلى السلطة معتمداً على إرث من محاربة الفقر والاستعمار والاستغلال، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية للشعب الأوغندي، استناداً إلى برنامج النقاط العشر الذي وضعه إبان «حرب الأدغال»، والذي يؤكد الالتزام باحترام حقوق الإنسان. وهو، كما يقول، اعتمد نظاماً سياسياً مستقلاَ، و«أخذ من كل نظام ما رآه أفضل، ورفض السيئ؛ فكل دولة أدرى بكيفية تلبية احتياجاتها». مع العلم أنه في سنواته الأولى في الحكم، قدّم نفسه كـ«قائد تقدمي»، ووعد ببناء «نظام ديمقراطي جديد».

لسنوات، بدا أن موسيفيني يفي بوعده، لا سيما إثر تلقّيه إشادة واسعة من الدول الغربية والمؤسسات الدولية، التي رأت فيه نموذجاً جديداً من القادة الأفارقة التقدميين حتى لُقّب بـ«محبوب الغرب».

وبالفعل، عمل الرجل في السنوات العشر الأولى من الحكم على إعادة هيكلة الجيش، ودمج الميليشيات، وفرض القانون في مناطق كانت خارجة عن سيطرة الدولة، وأطلق سياسات اقتصادية نيوليبرالية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، شملت خصخصة المؤسسات، وتحرير التجارة، وتحسين بيئة الاستثمار.

وفي المقابل، تبنّى سياسات صحية وتعليمية ناجحة نسبياً، لا سيما في مكافحة فيروس «الإيدز»، وحققت أوغندا في عهده انخفاضاً لمعدلات الإصابة؛ ما جعلها نموذجاً في الصحة العامة على مستوى القارة في التسعينات.

الدستور الجديد

عام 1995، أُقِر دستور جديد في أوغندا اعتُبر آنذاك تقدماً ديمقراطياً؛ إذ حدّد مدة الرئاسة بفترتين فقط، ومدّد سلطة البرلمان، وأكّد على الحريات المدنية.

وفي مايو (أيار) 1996، أُجريت أول انتخابات رئاسية تعدّدية في أوغندا منذ إنهاء الاحتلال عام 1962، فاز بها موسيفيني بنحو 74.2 في المائة من الأصوات، وسط أجواء من التفاؤل الداخلي والدعم الدولي. لكن سرعان ما بدأت الصورة تهتزّ عندما غزا جيشا أوغندا ورواندا أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة دعماً للمتمردين الذين يقاتلون للإطاحة بالحكومة.

انخراط أوغندا في تلك الحرب أضرّ بسمعة موسيفيني. وتزايدت الشكاوى من تشدّده، لا سيما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2001 التي شوهتها أحداث عنف، وأدت إلى فرار منافسه الأبرز كيزا بيسيغي من البلاد بحجة أن «حياته في خطر». وحقاً، صار موسيفيني تدريجياً أقل تسامحاً مع معارضيه.

تآكل المسار الديمقراطي

أيضاً، أخذ يتآكل المسار الديمقراطي الذي دشّنه موسيفيني في مستهل حكمه. وعام 2005، بضغط من موسيفيني، ألغى البرلمان الحد الدستوري لفترات الرئاسة؛ ما أثار موجة من الانتقادات الدولية والمحلية، وفتح الباب أمام استمراره في السلطة لسنوات لاحقة.

ومنذ ذلك الحين، فاز موسيفيني بأربع انتخابات رئاسية متتالية (2006، 2011، 2016، 2021)، وكلها شابتها اتهامات بالتزوير، واعتقالات للمعارضين، وقيود على وسائل الإعلام، وقطع للإنترنت، وفرض حالات الطوارئ غير المعلنة. وكان من أبرز خصومه السياسيين، كيزا بيسيغي، الذي اعتُقل مراراً وواجه حملة واسعة من المضايقات، ونجم «البوب» بوبي واين الذي تعرَّض مع مناصريه لحملة قمع واسعة خلال انتخابات 2021. وفي 2017، أُجري تعديل دستوري جديد ألغى الحد الأقصى للعمر الرئاسي (75 سنة)؛ ما أتاح لموسيفيني خوض انتخابات 2021.

نحو هيمنة إقليمية

لقد استخدم موسيفيني القوة العسكرية والدبلوماسية لتوسيع نفوذ بلاده، فأرسل قوات إلى الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي، وتدخّل عسكرياً في الكونغو الديمقراطية، ودعم المعارضة المسلحة ضد حكومة السودان السابقة. ورأى البعض أن سياسته الخارجية تؤسس لـ«هيمنة عسكرية ناعمة» في شرق أفريقيا، وتسعى لأن يغدو أول زعيم لشرق أفريقيا موحّد، بينما يأخذ آخرون عليه إنهاكه الاقتصاد والجيش.

عام 2011، قال موسيفيني في تصريح صحافي إنه أراد أن يترك إرثين «الأول التحول الاجتماعي والاقتصادي لأوغندا، وتحويل البلاد دولةً من دول العالم الأول، والآخر اتحاد شرق أفريقيا». ومع أن أوغندا حقّقت نمواً اقتصادياً ملحوظاً، خاصةً في قطاعات الزراعة والخدمات والبُنى التحتية، لا تزال معدلات الفقر والبطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب، كذلك يُعدّ الفساد مشكلة خطيرة عرّضت موسيفيني للانتقاد. وفي سياق متصل، علّق الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا بعض المنح المُقدمة لأوغندا بحجة «سوء الإدارة المالية».

جدل التوريث

أسرياً، موسيفيني متزوج من جانيت كاتاها موسيفيني، وزيرة التعليم والرياضة، والشخصية المؤثرة سياسياً. وللزوجين أربعة أبناء، أبرزهم موهوزي كاينيروغابا، الجنرال في الجيش والقائد السابق للحرس الرئاسي. وتدور حول موهوزي شائعات بأنه يُعدّ لخلافة والده؛ ما دفع مراقبين للكلام عن «توريث» في دولة كانت ذات يوم تُعد نموذجاً للتحول الديمقراطي.

وحقاً، مع دخول موسيفيني عقده التاسع، لا يُظهر الرجل أي نية للرحيل عن السلطة، بل يعتقد أنه لا يزال في حاجة إلى إنهاء المهمة. وسبق أن قال في تجمع انتخابي قبيل انتخابه لفترة لولاية خامسة: «هذا الرجل العجوز الذي أنقذ البلاد، كيف تريدونه أن يرحل؟… كيف لي أن أغادر مزرعة موز زرعتها وبدأت تؤتي ثمارها؟ّ!»…