
حمد التميمي: محاولة اغتيال الرئيس السوري: سيناريو ما كُشف وما أُخفي
حمد التميمي
في زمنٍ باتت العناوين فيه أكثر جرأة من التصريحات، وأصبح الصمت دبلوماسية لا تقل تأثيرًا عن الكلمات، يلوح في الأفق مشهدٌ أمنيّ سياسيّ مكتوم، يكشف بعضه ويخفي أكثره. لم يكن الخبر العابر عن إحباط محاولة اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع تفصيلًا هامشيًا في زحمة الأخبار، بل كان بمثابة زلزال خافت لا تُلتقط ذبذباته إلا بحواس تحليلية حادّة.
الحديث عن إحباط العملية بتنسيق استخباراتي بين دمشق وأنقرة، ثم نفيه لاحقًا أو التخفيف من جديّته عبر بعض المنصات الإعلامية، لا يجب أن يُؤخذ بحرفيّته. فما يُقال أحيانًا ليس للقول، بل للتمرير. وما يُنفى لا يُراد به الإنكار، بل التهدئة. هذا النمط من “التسريب المقنّن” لم يعد غريبًا في عالم الاستخبارات الحديثة، بل أصبح أداة استراتيجية تُستخدم لتمرير رسائل مزدوجة: تحذير للخصم، وطمأنة للحليف.
وسط هذا الغموض، يبرز الصمت السوري كإشارة بحد ذاته. تجاهل تسمية الجهات الضالعة ليس علامة على الجهل، بل ممارسة محسوبة لإدارة التوازنات. فالحكومة الجديدة، على ما يبدو، تُدرك أن الدخول في اشتباك مباشر قد يُخرج المشهد عن السيطرة، ويورّط البلاد في اصطفافات إقليمية معقّدة هي في غنى عنها. لذلك بدا الامتناع عن التصريح وكأنه امتداد لسياسة: “نعرف من أنتم، لكننا لن نكشف أوراقنا بعد”.
أما التعاون الأمني مع أنقرة، فقد يكون بمثابة هدنة استخبارية ظرفية فرضتها الضرورة، أكثر منه تقاربًا سياسيًا طويل الأمد. فمهما اتسعت الهوة في الخطابات، تبقى أرض الواقع أضيق من أن تتسع لترف العداء المطلق. الفوضى الإقليمية لا تُفرّق بين متخاصمين، والتنسيق العابر قد يكون طوق نجاة مؤقت في بحر لا يؤمن بسلام دائم.
قد يكون ما حدث اليوم مجرد بروفة على ما هو أكبر. فماذا لو أن هذه المحاولة كانت جسّ نبض… اختبارًا أوليًا لقدرة النظام على التقاط الخطر وإخماده؟ وماذا لو أن الجهات التي خططت لم تتراجع، بل أعادت ترتيب أوراقها بصمت؟
في سيناريو لا يبدو بعيدًا، قد نرى محاولات لاحقة لا تتخذ مسار العنف المباشر، بل تتحول إلى اختراقات ناعمة: تجفيف سياسي، تحريك الشارع في لحظات فارغة، أو تسريبات موجهة تُقوّض الصورة من الداخل. وربما تكون الرسالة الحقيقية من وراء هذا “الاغتيال المؤجل” ليست في إزاحة رأس الهرم، بل في زعزعة ثقته بالمنظومة من حوله. عندها، لن يكون السؤال عن العملية، بل عمن تبقّى أهلًا للثقة.
المشهد يُوحي بأن ما يحدث في العلن ليس سوى صدى هامس لما يُدار في الغرف الخلفية. الخوف الحقيقي ليس من المحاولة، بل مما كشفته هذه المحاولة من حجم التداخلات، وتشابك الأطراف، وتشظّي الولاءات. محاولة الاغتيال إن ثبتت قد تكون جرس إنذار داخلي أكثر منها تهديدًا خارجيًا. إنذار بوجود اختراقٍ ما، أو تساهلٍ ما، أو تغافلٍ بات من الضروري الوقوف عليه.
إن قراءة هذا السيناريو بعيون أمنية لا تكتفي بتتبع الأطراف، بل تُلاحق السياقات والدوافع والرموز. الرسائل تم توصيلها كما يجب، ومن تلقّاها يعلم تمامًا فحواها: اللعبة مستمرة، والإيقاع مضبوط، لكن الحذر أكبر من أي طمأنينة علنية.
في عالم يُدار فيه كثير من القرارات في الغرف المغلقة وتحت عناوين غير معلنة، تبقى الحقيقة غالبًا رهينة الزمن والسياق. وربما لا يكون المهم في قصة كهذه أن نعرف كل التفاصيل الآن، بل أن نعي أن المسكوت عنه أحيانًا… أكثر بلاغة من كل ما قيل. وهنا، يصبح السؤال لا عن “من حاول؟” بل عن “من ينتظر المحاولة القادمة؟”…
فاللعبة لم تنتهِ. وما زال السيناريو مفتوحًا على احتمالات أكبر من مجرد اغتيال.
هذا المقال يُعبّر عن قراءة تحليلية لما نُشر إعلاميًا بشأن محاولة اغتيال مزعومة ضد الرئيس السوري. ورغم نفي رسمي لبعض تفاصيل الحادثة، فإن النص يُعالج السيناريوات المحتملة في ضوء منهج استشرافي، دون الجزم بوقوعها.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: