
لبنان والانفجار القادم بكل الألوان
د. لينا الطبال
الهواء في بيروت أثقل من المعتاد، والضجيج ليس ضجيج مدينة تعيش، هو ضجيج مدينة تُجرّ وتُسحب من عنقها، إلى حفل توقيع جماعي مع العدو على هيئة “تفاهمات”.
يأتي الضغط على شكل تحليل سياسي، أو تجنيد خلايا أو توقيفات لداعش. كل المؤشرات تؤكد أننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ الجنون الإقليمي. فهذا ليس صراع حدود… هو صراع على شكل العالم من نافذة الشرق الأوسط.
في لبنان وسوريا كل شيء قابل للاشتعال … ما عدا الكهرباء.
هذا ليس مقال عن احتمالات الحرب… هذا مقال عن الهراء الذي نبتلعه كل يوم، ونستنشقه كهواء بيروت الملوث، عن البروبغندا التي تنهمر علينا كقصف بلا إنذار، عن الخطابات التي تطلب منا أن نعيش على القلق، وننام على التهويل، ونستيقظ على الخوف.
قالوا لنا اصمتوا فهناك حرب قادمة، اجتياح من الشرق والجنوب في آن… قالوا ان فصائلهم تجتمع في الشمال وستشن الغارات والويلات من هناك.
كأننا في لعبة فيديو وكأن الحدود بلا مقاومة، بلا جيش، بلا شعب.
كأن الجنوب فارغ، والشرق ملعب، والشمال مرمى سهل… وكأن اللبنانيون ينتظرون دورهم في الطابور… كي يُسحقوا بشكل متزامن.
قديماً، ظن العدو ان بإمكانه هزيمة لبنان بواسطة فرقة موسيقية … حلمه تبخّر مع أول هتاف في بنت جبيل.
هل تذكرون عملية “البيجر”؟ 3500 مقاتل جرى سحبهم من ساحة القتال في يوم واحد… لا، في ثانية. بكبسة زر.
في المقابل، زُجّ بـ70 ألف جندي إسرائيلي على الحدود، مدججين بكل أسلحة أميركا وخرافاتهم التوراتية، ومع ذلك…
لم يستطيعوا التقدم خمسة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية.
خمسة كيلومترات! أقل من مشوار لأقرب سوبرماركت.
ما لم تأخذه الدبابات… أخذه القرار 1701، هذا القرار الذي يُقرأ على أنه “تفاهم دولي”، لكننا نعرف أنه مجرد تسوية أنقذت العدو من هزيمة كاملة، وأنقذت العالم من الاعتراف بأن المقاومة انتصرت…
لكن لا بأس. لنُقلق الجميع قليلا… فلنعرض للقراء الاعزاء احتمال الاجتياح، ونمنح المحللين مساحة للهلع المدروس.
هذا أيضا شكل من أشكال الاستنزاف. استنزاف أعصاب، استنزاف ثقة، استنزاف واقع.
في الزوايا، هناك خلايا تنشط. ووسائل إعلام تمنح للظل ملامح كائن. وتقارير، تقارير، تقارير… حتى تشعر أن الحقيقة خجولة، لا تملك أي كلام…
يعتقدون أن الحرب الكبرى قد لا تكون عبارة عن اجتياح، قد تكون اتفاق يفرض نفسه.
وأن التطبيع لن يدخل بالدبابات، انما بالهلع. وأنهم سيُرهبوننا… واننا سنرضى.
سيربكوننا كي نوقع… سيهددوننا كي ننسى.
لكن لا. نحن لا ننسى… ونحن لسنا خائفين. الخائف لا يكتب.
والشعوب المذعورة لا تضحك، ولا تسخر منكم كما اسخر منكم الآن.
الشعوب الخائفة تصمت، الشعوب الخائفة تنكمش. نحن نتمدد، نضحك، ونشير بإصبعنا إلى عوراتكم السياسية.
هذا المقال ليس عن سيناريوهات الحرب. هذا المقال عن شعب مقاوم لم يُوقع…ولن يوقع…
قبل يومين من انفجار الساعة الصفر، وبينما كانت البوارج الأميركية تتمطى في المتوسط وتتباهى بعضلاتها، انزوت المقاومة الى جنوبها الحبيب كمن يتهيأ لصلاة طويلة وتمركزت هناك. بلا ضجيج، بلا “خبر عاجل” على الشاشات، فقط صمت ثقيل مثل وعد قديم… الوعد بأن المعركة ستبدأ غدا.
السلاح ما زال موجود،
هذا الخبر ليس لذوي القلوب الضعيفة، اقرأوه جيدا وببطيء : سلاح المقاومة لم يصادره أحد… يقبع في مكان ما كأيقونات تنتظر ساعة القيامة.
وسيتم استعماله… نعم، وستشاهدون وقتها كل الألوان: دخان، أرجوان الانفجارات، أخضر الليل، ورماد الصباحات المقبلة.
وفي تل أبيب، يرفعون صور “القادة الجدد للمنطقة” كأنهم صور قديسين: ترامب في المنتصف، باسما بغلاظة، كأنه بائع عقارات فاز برخصة إدارة العالم. إلى يمينه، نتنياهو، يتظاهر أنه لا يخاف المحكمة. إلى يساره، محمد بن سلمان، حالم بمدينة نيوم على أنقاض غزة. وفي الزاوية، بالكاد تراه، يظهر الرئيس اللبناني العتيد، جوزف عون، كرجل تم اختياره لابتسامته الهادئة. رجل توافقي جدا لدرجة أنك تنساه وأنت تراه.
هم يرفعون رايات التطبيع ويهتفون لشروق اعرف انه لم ولن يأتِ.
اعرف أيضا ان ما سيأتي قد يبدأ بطلقة، أو بنداء تكليف، أو بانفجار لا اسم له. لكن لا تقلقوا سيكون فيه كل الألوان.
يقولون ان المقاومة في لبنان هي عبيء على السيادة … حقا؟ تلك الرواية التي يتلوها من يتسول سلاحه من واشنطن وأمواله من الخليج.
كلما اغارت إسرائيل على الضاحية يسألون: هل ستفتحون الجبهة؟ وإذا لم نفتحها، نُتهم بالخيانة.
وإذا فتحناها، نُتهم بالجنون.
الحرب الكبرى اذا اندلعت فإن المقاومة ستقاتل، لا لأنها تعشق الموت كما يكرر خصومها ببلاهة ميتافيزيقية،
هؤلاء الخصوم الذين يفضلون موتها حيّة على أن تبقى حيّة وقوية…
من قصف قانا؟ من صفق لبيروت وهي تُقصف؟ ومن قال لنا: اصبروا… ثم باع دماءنا؟
نحن في لبنان، لا نصنع الحرب. لكننا دائما ندفع ثمنها: بالدم، وبالشتائم، وبالأسئلة التي لا تنتهي.
المقاومة في لبنان ليست “ورقة بيد إيران” كما يروج الإعلام الكسول، هذه المقاومة هي نتاج تاريخ طويل من الاحتلالات وخيانات الوطن. لكنها في لحظة الحقيقة، لا يمكنها الانفصال عن المعركة الكبرى، لأنها أصلا وُلدت منها: من عمق النزاع والتوازنات المائلة، من هوامش التاريخ التي تحولت فجأة إلى مركز اللهب.
والجبهة الجنوبية في لبنان ليست جغرافيا ميتة هي مركز من مراكز الاشتباك، أو بالأحرى، رمانة التوازن الإقليمي.
هل تُستنزف المقاومة؟ نعم، كما يُستنزف الجسد الذي يركض طويلاً… لكنها لا تُستهلك.
هل تُحرج داخليا؟ دائما، لأنها تعيش وسط بلد يحترف انفصام الشخصية… لكنها لا تنهار.
وإذا تحول الاشتباك إلى حرب مفتوحة، فالمقاومة في لبنان ستكون رأس الحربة…كالعادة.
بخسائرها، وبتضحياتها، لكن أيضا، ورغم أنف الجميع، بإنجازاتها.
في النهاية، هذه حرب لا تُخاض فقط بالسلاح…ستكون حربنا جميعا… حرب الإرادة، وذاكرة من لم ينسَ حولا وصبرا وشاتيلا وقانا وعدوان تموز… والمقاومة، مهما كانت الحسابات، هي من تدفع الثمن أولا لأنها تقف في وجه الرصاصة قبل أن تصل إلى صدر الآخرين.… لكنها غالبا من يُحسب لها الحساب في النهاية.
باريس- اكاديمية و باحثة
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: