
غادر وزير العدل والشرطة السويسري بيت يانس الجزائر، الاثنين، بعد أن بحث مع مسؤوليها المساعي التي تقودها حكومتهم منذ سنوات لاسترداد ما يُعْرف بـ«الأموال المنهوبة»، وهي ودائع في بنوك سويسرية يُعتقد أنها لمسؤولين جزائريين متهمين بـ«الفساد».
وبدأ يانس زيارته، الأحد، وتحادث مع نظيره الجزائري لطفي بوجمعة حول هذه القضية التي قال رئيس الدولة عبد المجيد تبون، إنه وضعها «على رأس أولويات» سياساته، منذ وصوله إلى السلطة في نهاية 2019.
وبعد تنحي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم في 2 أبريل (نيسان) 2019، تحت ضغط مظاهرات الشارع، أطلقت الجزائر تحقيقات حول «الفساد الكبير»، أسفرت عن إدانة عدد كبير من المسؤولين المدنيين والعسكريين ورجال الأعمال بعقوبات ثقيلة بالسجن، يوجد من بينهم 3 رؤساء حكومات.
وفي الوقت نفسه، شرعت الجزائر في عملية تهدف إلى استرجاع الأموال التي تم تحويلها بشكل غير قانوني إلى الخارج من قِبل الأشخاص المدانين قضائياً. وتشمل هذه العملية نحو 30 دولة، وجهت محاكم جزائرية إنابات قضائية إليها. وتمت مصادرة فندق في إسبانيا عام 2023 يملكه رجل الأعمال علي حداد المسجون حالياً، وفق تأكيدات الحكومة الجزائرية.
وتُعد سويسرا من بين البلدان التي تم تحويل تلك الأموال إليها، وقد أعربت عن استعدادها للتعاون مع الجزائر من أجل استرجاعها، وفق ما أكده وزير العدل السويسري الذي صرَّح للتلفزيون العمومي الجزائري، عقب انتهاء لقائه بنظيره الجزائري، أن زيارته «تناولت حواراً مثمراً حول تعزيز التعاون بين بلدينا. واسترداد الأصول المجمدة، وسويسرا ترغب في التعاون مع الجزائر في هذا المجال».
وأوضح أن برن «تتعامل مع هذا الملف من منظور قضائي بحت، لكن إذا توفرت كل الشروط القانونية من جانب الجزائر، فبإمكاننا إحراز تقدم في هذه القضية». من دون توضيح ما هي هذه «الشروط». لكن يُفهم من ذلك، أن سويسرا تفرض على الدول اتباع إجراءات معينة، إذا أرادت التحقق من وجود أصول تابعة لها يُشتبه في ارتباطها بالفساد.
وأضاف الوزير السويسري: «لقد أكدنا على مواصلة هذه المحادثات، وأن يساعد بعضنا بعضاً من أجل تحقيق خطوات ملموسة في محاربة الفساد، ومساعدة الدولة الجزائرية على استرجاع الأموال التي هي أموال الشعب الجزائري».
من جهته، قال وزير العدل الجزائري: «بحثنا في أشكال التعاون القضائي بين بلدينا، خصوصاً في المجال الجزائي، وتحديداً فيما يتعلق باسترداد الأموال المنهوبة»، لافتاً إلى أن بلاده «سجلت تعاوناً إيجابياً جداً من الجانب السويسري، وقد اتفقنا على تعميق هذا التعاون بشكل أكبر، وبصورة أكثر إيجابية وفاعلية خلال الفترة المقبلة. كما اتفقنا على تبادل الخبرات والمعلومات بطريقة تفضي إلى نتائج ملموسة وإيجابية».
ولا تُعد هذه المرة الأولى التي تُبدي فيها سويسرا استعدادها للتعاون مع الجزائر في ملف استرجاع الأموال المنهوبة، إذ سبق لسفيرها لدى الجزائر أن أعرب، سنة 2020، عن التزام بلاده بهذا المسعى.
وقد قدمت الجزائر إلى سويسرا على الأقل ملفين لاسترجاع أموال منهوبة؛ الأول يتعلق بوزير الصناعة والمناجم السابق عبد السلام بوشوارب، والثاني بوزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، وكانا من أبرز وجوه نظام الرئيس بوتفليقة (1999- 2019) وهما هاربان في الخارج، كما أنهما ملاحقان بموجب مذكرتي توقيف دوليتين بسبب اتهامها بالفساد.
ويقيم بوشوارب (70 سنة) في فرنسا، حيث رفض القضاء الفرنسي تسليمه إلى الجزائر، بينما يعيش خليل (80 سنة) في الولايات المتحدة الأميركية، ولم تعلن الجزائر أنها طلبت تسلُّمه من حكومتها.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نجحت الحكومة الجزائرية عن طريق جهازها القضائي في إقناع القضاء الفيدرالي السويسري بتجميد الأرصدة المالية التي تعود لعبد السلام بوشوارب، ببنك في جنيف، بهدف استعادة مبلغ 1.7 مليون يورو محل شبهة فساد.
وكتبت الصحافة السويسرية حينها أن بوشوارب عارض عن طريق محاميه وضع حسابه البنكي تحت الحراسة القضائية، كما عارض قرار القضاء الفيدرالي إرسال مستندات مالية تخص الحساب نفسه إلى القضاء الجزائري.
وأكدت الصحيفة أن المسؤول الجزائري البارز سابقاً أرفق طعنه بحجج تتعلق بـ«انتهاك حقوق أساسية» و«ملاحقته سياسياً» من طرف الحكومة الجزائرية، غير أن القضاء السويسري لم يأخذ بها، وفق صحيفة «لوتون» التي أكدت أن لديه وديعة بـ1.7 مليون يورو في بنك بجنيف، مبرزة أن قضاة «محكمة بلنزون» بمقاطعة كانتون، ثبَّتوا المساعدة القضائية التي طلبتها الجزائر من سويسرا، بخصوص التحفظ على كل ودائع بوشوارب الذي كان مقرَّباً من الرئيس السابق. وبحسب الصحيفة، فإن مضمون الطلب الجزائري يخص شبهات رشى طالت صفقة شراء أقنية فولاذية عندما كان بوشوارب أحد أكثر المسؤولين نفوذاً بين 2014 و2017.