
بدر جاسم: نداء الطف يشملني!
بدر جاسم
بدأت المدينة تتشح بالسواد، المواكب اخذت مواقعها، وأكملت كل تحضيراتها للخدمة الحسينية، أنا بعيد عن هذا الأجواء، كل ما يحيط بي كأنه عرض مسرحي، أشاهده بشكل دوري، ولا يعنيني مطلقاً، على طريق عملي تسطف المواكب الشبابية على كلا جانبية، صور لشهداء، وقصائد حسينية، كذلك ماء بارد يوزع على حب الإمام الحسين (عليه السلام) مع شاي على الجمر، الذي يضيف له نكهة خاصة.
في طريق العودة من عملي، أثارت شهيتي رائحة الشاي، مع أصوات الشباب المتكررة “اشرب چاي ابو علي” ذهبت لأشرب كوب شاي، في أحد المواكب ليستقبلني شاب بابتسامة جميلة وترحيب حار، کأني زائره الوحيد، سرعان ما احضر لي قدح ماء بارد، وكأس شاي على الفحم، الموكب مطرز بلوحات وعبارات حسينية، فأحد اللوحات سوداء مكتوب عليها بالخط الاحمر ( والله لن نتخذ الليل جملا) لم اعرف المغزى منها، فسألت أحد الشباب مستفسراً عن هذا اللوحة.
فقال الشباب: هذا جواب الأنصار عندما قال لهم الإمام الحسين
(عليه السلام) هذا الليل قد غشيكم فاتخِذوهُ جملا، اذهبوا وانتم في حل مني ومن بيعتي، ونحن اليوم نقول ما قالته الأنصار، لن نتخذ الليل جملا.
فقلت للشاب: ألم تنتهي كربلاء قبل الف وأربعمائة عام ؟ فلا الحسين موجود الآن ولا الليل .
قال الشاب : الإمام الحسين هو عين الخلود، فلا تغطيه سحابة السنين، ولا تمنع نوره كثرة أبواق الإعلام.
جواب الشاب أدهشني، فسؤالي سطحي وجوابه عميق وبه رمزيه.
فقلت للشاب: وهل يمكنك انت تلتحق بالإمام الحسين عليه السلام؟
قال الشاب: نعم، بكل تأكيد، لكن يجب أن تتوفر شروط الإنضمام.
قلت للشاب: وما شروط الإنضمام لمعسكر الإمام؟
قال الشاب: شرط الإمام هو أن
(من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله)
قالت : وما ذا يعني بهذا الشرط؟
قال الشاب: يعني ان تكون مستعد أن تبذل روحك في سبيل الله تعالى، يعني لم تكذب ولا تغتاب ولا تخوض في أعراض الناس، ولم تأكل حرام، وتؤدي الفرائض، وعندك وعي وبصيرة، تدرك الأوضاع وما تحتاج من عمل الذي يفرضه الشرع عليك، عند توفر هذه الشروط أذا يمكنك أن تلتحق بالإمام، وبكل تأكيد من يسعى أن يتطهر سوف يساعده الإمام على ذلك.
والشاب يتكلم وقلبي يصغي إليه، فلم أحس إلا ودموعي تقطر على خدي، دون استئذان.
فقلت للشاب: هل انت متأكد من ذلك ؟
قال الشاب: نعم، فما هو سبب نداء الإمام الحسين عليه السلام في اخر لحظاته، “هل من ذابّ عن حرم رسول الله؟
هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟
أما من طالب حق ينصرنا؟”
الإمام الحسين (عليه السلام) ندائه هذا لنا ينفذ من السنين ليصل إلينا، ويضعنا أمام المسؤولية.
لم أتمالك نفسي فقد بكيت بشدة، فنداء الإمام الحسين يوم الطف يشملني، الباب مفتوح للنصرة ولم يغلق بعد.
لقد نويت إن أتوب وأرمي نفسي بين يدي الإمام الحسين خادماً، وأعاهده إن أصلح نفسي حتى يقبلني بين يديه شهيداً أن شاء الله.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: