مهدي مبارك عبد الله: عار على العالم منح ترامب جائزة نوبل للسلام!

مهدي مبارك عبد الله: عار على العالم منح ترامب جائزة نوبل للسلام!

مهدي مبارك عبد الله: عار على العالم منح ترامب جائزة نوبل للسلام!

 
مهدي مبارك عبد الله

قبل يوم واحد من مشاركة الولايات المتحدة في الهجوم الإسرائيلي على إيران وتوجيه ضربة عسكرية لـثلاث مفاعلات نووية إيرانية اعلنت الحكومة الباكستانية عن ترشيحها للرئيس الأميركي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2026 وذلك على خلفية ما وصفته بـجهوده الدبلوماسية المثمرة لوقف التوتر بين باكستان والهند في أيار الماضي بعد أيام من التصعيد العسكري بين البلدين حيث أظهر الرئيس ترامب بُعد نظر استراتيجي كبير وحنكة سياسية فذة من خلال تواصله الدبلوماسي القوي مما أسهم في تهدئة الوضع المتدهور بسرعة وتأمين وقف إطلاق النار والتعهد بتفادي صراع أوسع بين الدولتين النوويتين حول منطقتي ( جامو وكشمير ) التان تعتبران الأساس الفعلي لنزاع طويل الأمد والعداوة المستحكمة بين البلدين فيما أكد الجانب الهندي مراراً بأن وقف الأعمال العدائية تم نتيجة محادثات مباشرة بين مديري العمليات العسكرية للجيشين دون أي وساطة من ترامب او ادارته

قرار اسلام اباد المفاجئ أثار ردود فعل غاضبة حول العالم وداخل باكستان حيث عبر العديد من الساسة والحزبيين الباكستانيين عن رفضهم لقرار حكومتهم بترشيح ترامب للجائزة واعتبروه قرار غير مسؤولة وخطيرة ولا يمثلهم وطالبوا بسحبه والغائه رغم الادعاء بتدخل ترامب المؤثر لوقف التوتر الباكستاني الهندي كون التنسيب يشكل امر مخزي يمس الكرامة الوطنية الباكستانية ويمثل تملق سياسي مكشوف خاصة بعد قصف واشنطن المنشآت النووية الايرانية وانتهاك القوانين الدولية وثبوت زيف ادعاءات ترامب كرجل للسلام بدعمه المتواصل لسياسات التطهير العرقي والتهجير والمجازر وحرب الابادة الجماعية في غزة وسكوته عن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على سوريا ولبنان واليمن وإيران وسفك دماء الاف الابرياء

 اما على مستوى الداخل الامريكي فقد عمق ترامب الانقسامات بين مختلف شرائح المجتمع وقيد الحريات الدستورية وجرم الاحتجاجات والتظاهرات السلمية وانتقم من خصومه السياسيين واتبع أساليب تصعيد وتهديد تميل للسطو والبلطجة كما هدد نظام التجارة العالمية بإشعال الحروب التجارية ورفع الرسوم الجمركية وادعى علناً أن الاتحاد الأوروبي تأسس للإساءة لأمريكا واستغلالها وقام بطرد الطلاب والمتظاهرين الأمريكيين من الجامعات واعتقالهم ومحاكمتهم وسجنهم وترحيل الطلبة الأجانب إلى بلادهم وإلغاء فيزهم ومنع الدعم والمنح الحكومية للجامعات حيث أوقف دعم ومنح بقيمة 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا بقصد ترهيب الجامعات الأخرى والطلبة الناشطين ضد جرائم إسرائيل في غزة وتحريض الجامعات على اتهامهم بالإرهاب والتعاطف مع منظمة حماس الإرهابية

في ذات السياق لا يفوتنا التذكير بان تصاعد حروب الاجرام والارهاب الامريكية غير الشرعية في اكثر من مكان في العالم والتي اشعلها وقاد بعضها ترامب نفسه تجعل ( جائزة نوبل للسلام لا تمنح للاستعراضات الدعائية والاعلامية بل تعطى لصانعي السلام الحقيقيين الذين يدشنون الإنجازًات الفعليًة لإحلال السلام وإنهاء النزاعات المسلحة بعيدا عن ترويج الادعاءات الكاذبة وتبني البطولات الدبلوماسية الوهمية دون سند ولا أثر ومن غير أي تحرك سياسي نشط على الأرض ) وتلك هي بعض الاسس والشروط التي  وردت في وصية مؤسس الجائزة العالم السويدي ألفريد نوبل

خلال اكثر من تصريح ومناسبة عبر الرئيس ترامب عن استيائه لعدم منحه جائزة نوبل للسلام رغم تدخلاته وجهوده الحاسمة في انهاء بعض الصراعات الدولية مثل النزاع بين الهند وباكستان والأزمة بين روسيا وأوكرانيا التي لا تزال قائمة والحرب بين رواندا والكونغو والتي لا يوجد أي دليل عملي على أن له أي دور مباشر أو غير مباشر في حلها وكذلك الصراع السابق بين صربيا وكوسوف والنزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة ودوره واشرافه في عقد ( اتفاقيات أبراهام ) في الشرق الأوسط التي اندثرت في متاهات النسيان والركود والاهمال

بالإضافة الى ادعاءات ترامب المتواصلة بمحاولاته حل التوتر بين إسرائيل وإيران والذي فشل فيه قبل توجيه ضربته الاخيرة لأهم المواقع النووية الايرانية وتفاوضه على إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في روسيا وبيلاروسيا وأفغانستان ومؤخرا كتب ترامب على منصته الاجتماعية تروث سوشيال منشور قال فيه ( لن يمنحوني جائزة نوبل للسلام أبداً مهما فعلت وأنا أستحقها )

في ذات السياق علق مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون ( صديق الماضي عدو الحاضر ) على مساعي ترامب للحصول على الجائزة في منشور له على منصة إكس إن (  ترامب يريد جائزة نوبل للسلام لأن الرئيس السابق باراك أوباما حصل عليها عام 2009 بعد أقل من ثمانية أشهر على توليه الرئاسة لمواجهته التحديات المناخية الكبرى ودون أن يحقق أي إنجاز او يحل أي من الأزمات والصراعات العالمية ) وهو ما اعتبره ترامب ظلماً تاريخياً له بحسب تصريحاته المتكررة ولهذا استمر خلال حملته الانتخابية لعام 2024 باتهام سلفه الديمقراطي بانه لم يكن جديرا بهذا الشرف

ثلاث من  الرؤساء الامريكيين فازوا بجائزة نوبل للسلام بدءا من ( الرئيس ثيودور روزفلت عام 1906 والرئيس ويلسون عام 1919 والرئيس كارتر 2002 ) والحقيقة ان ادعاء ترامب بانه لعب دور فاعل في الوساطات لحل بعض النزاعات الدولية يعتبر من قبل المختصين تشويهً مرفوض لمفهوم السلام العادل الذي تُمنح على أساسه الجائزة

حلم ترامب بنيل جائزة نوبل للسلام ظل يراوده منذ فترة رئاسته الأولى وقد تضاعف طموحه بعد عودته الثانية للرئاسة ليضيف الجائزة الى ارشيف سيرته الذاتية بسبب قناعته العميقة بأنه الرئيس الامريكي الأفضل والأكثر دهاء وذكاء والذي يملك قدرات ومهارات مميزة في التفاوض وعقد الصفقات وحل النزاعات ومنع اندلاع الحروب وإنهائها لذلك كان يعتقد ان ظفره بالجائزة يعد تحصيل حاصل بحيث يختتم حياته السياسية 79 عام بإضافة الجائزة لرصيد إنجازاته الكبرى

لكن مع اختلاف الظروف والمواقف بقي ترامب يشك في نوايا اللجنة التي تمنح الجائزة والتي يعينها البرلمان النرويجي ويكرر انه تم ترشيحه عدة مرات خلال فترة رئاسته الاولى من قبل السياسي النرويجي كريستيان تيبرينج جيدي والسياسي السويدي ماجنوس جاكوبسون والنائبة الأمريكية كلوديا تيني لكن ترامب الذي بجلس في المكتب البيضاوي مرتين غير متتاليتين لم يفز بالجائزة بعد علما بان باب الترشيحات لعام 2025 أغلق في كانون الثاني الماضي وفق موقع اللجنة على الإنترنت وإن القائمة المختصرة للمرشحين قيد الإعداد وسيتم الإعلان عن الفائزين في تشرين الاول المقبل ولا يزال ترامب ينتظر بفارغ الصبر دعوته لزيارة النرويج وتكريمه

على مدى سنوات حكمه القليلة ظهرت التناقضات جلية بين سعي ترامب وممارساته للوصول للجائزة من خلال تكريسه للصراعات الدولية كما شاهدنا في حرب الإبادة الإسرائيلبة على غزة وفشله في ممارسة الضغط على نتنياهو واليمين المتطرف وانقلابه على الهدنة الموقعة مع حماس ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ووقوفه إلى جانب بوتين الغازي والمحتل في أوكرانيا وتهديده لجيرانه مثل كندا والمكسيك وتطاوله على بعض حلفاءه الأوروبيين

 افعال واقوال ترامب مجتمعة تشكل حصيلة حصـاد شوك مقلق ومتناقض لرئيس يروج لنفسه بأنه رجل سلام ويريد إنهاء الحروب لكن سياساته في الداخل والخارج تتناقض كليا مع مبادئ واسس جائزة نوبل للسلام وتؤكد أنه آخر مسؤول وزعيم يمكن ان يكون مؤهل للفوز بها ولا زالت محفورة في ذاكرة الشعوب والدول تصريحاته وتهديداته المتكررة بالانسحاب من حلف الناتو وتخليه الفعلي من اتفاق باريس للمناخ  وإضعافه لمنظومة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وتقليصه للمساعدات التنموية لأفريقيا وتصريحاته العنصرية المهينة بحق شعوبها واعترافه مؤخرًا بتمويل سد النهضة الإثيوبي لتهديد الامن القومي المصري

المنطق يفرض على ترامب ان يعلم بان السلام لا يُصنع بإحساس الهوس بالسلطة الكاسحة والرغبة بالانتقام وتشجيع الاحتلال والعدوان وقصف الدول بالأسلحة الثقيلة والمحرمة وان من يُشعل النزاعات ويذكي الصراعات لا يستحق ( التكريم بل المحاسبة ) وبناء عليه يقول منتقدو السياسة الخارجية لترامب إنه لا يستحق جائزة نوبل لأنه ليس من الواضح أنه سيحقق السلام الدائم في الشرق الأوسط أو بين أوكرانيا وروسيا او حتى في قطاع غزة كما أن احتضانه الواضح لروسيا على حساب أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي قد يكون له تأثير كبير على قرارات لجنة الاختيار النرويجية بخصوصه

إن استخدام ما سمي باتفاق السلام الاسرائيلي الابراهيمي الإماراتي البحريني الأمريكي كموجب ملزم لحصول ترامب على الجائزة هو اسلوب مضلل حيث تم تحت الضغط الأميركي ولأسباب انتخابية تخص كلاً من ترامب ونتنياهو لتوقيع اتفاق غير عادل غيب جميع قواعد القانون الدولي وكرس الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي وشرعن لمنظومة الأبرتهايد التي بناها الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة ضد الفلسطينيين

معلوم بان الرئيس ترامب بنى نوادي فخمة وناطحات سحاب مرصعة بالذهب وفاز برئاسة البيت الأبيض مرتين واستغل سلطته للانتقام من خصومه السياسيين ومديري الشركات وقادة العالم ومع كل ذلك بقيت رمزية الجائزة تلوح في ذهنه وهو عاجز عن الوصول اليها حيث لم يخف يوما مدى تأثره وانزعاجه ومرارته مما يراه بمثابة ازدراء واهمال مهين له لعدم منحه الجائزة وقد ظل على مدى عقد من الزمان يكرر علنا وسرًا بانهم ( لن يمنحوني جائزة نوبل للسلام أبدًا وإنه امر مؤسف لانني أستحقها ) كما اعتبر بعض انصاره المتطرفين ان جائزة نوبل للسلام تبقى منقوصة وغير شرعية إذا تم حرمان ترامب ( رئيس السلام العالمي ) ا منها

مع مرور الايام بات من الملاحظ للمراقبين إن جهود ترامب لإحلال السلام الدولي كان لها ثمن شخصي مقبوض وأنه غالبًا ما كان يصطف إلى جانب الاقوياء المعتدين على سبيل المثال بعد اجتماعه المثير للجدل مع الرئيس الاوكراني زيلينسكي في المكتب البيضاوي والاساءة الكبيرة له علق ترامب مؤقتًا تسليم جميع المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا وفرض نهج اكثر تعقيد تجاه الحرب وقد وصل به الحال الى توجيه عبارات السخرية والتهكم من جائزة نوبل للسلام في سلسلة من تغريداته المتكررة بقوله ما ( هو معنى ما يسمى بجائزة نوبل خاصة وأنها تتعاون مع العديد من المراسلين والصحافين هل تدافع نوبل عنا وهل هي تقوم على أشخاص يمتلكون صفات شخصية جيدة أو مبادئ أخلاقية عالية ) لهذا وغيره الكثير فهو لا يستحق الجائزة

خلال الاعوام السابقة من ولاية ترامب بادرت 201 هيئة حقوقية ومجتمعية من 14 دولة عربية لتوقيع مذكرة تطالب لجنة جائزة نوبل للسلام بعدم قبول ترشيح الرئيس الاميركي دونالد ترامب للجائزة وقد أوردت المنظمات 24 سبباً لعدم قبول هذا الترشيح منها اجباره امريكا على الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والخروج من اتفاقية باريس للمناخ وانسحابه من منظمة اليونسكو ومن اتفاقية الصداقة الأمريكية الإيرانية الموقعة أيام حكم الشاه وكذلك من معاهدة خدمة البريد العالمي الموقعة عام 1874والتي انضم لها 192 دولة ومن الاتفاق النووي مع إيران ومن مجلس حقوق الإنسان ومن البروتوكول الاختياري بشأن حل النزاعات الملحق بمعاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية ومن اتفاقية الأمم المتحدة للأسلحة التي تضم 101 دولة تحظر توريد الأسلحة لمجرمي الحروب ومن الاتفاق النووي مع روسيا الموقع عام 1987 حول نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى

كما اصدر ترامب قرار تنفيذي يحظر دخول الزوار من سبع دول إسلامية وهي سوريا وإيران والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن وجمد تقديم أموال لوكالة الأونروا وأوقف دفع أمريكا لالتزاماتها لمنظمة الصحة العالمية وانسحب منها وطالب بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية بسبب فتحها تحقيق في الجرائم التي ارتكبت في أفغانستان وفلسطين وقد اعترف بالقدس بشقيها الشرقي عاصمة لإسرائيل وإعلن مرسوم جمهوري بالاعتراف بضم اسرائيل للجولان المحتل عام 1967 ولم ينفيذ وعده بسحب القوات الأمريكية التي تحتل أجزاء من الأراضي السورية منذ عام 2015 ومارس ابتزاز وقرصنة مالية بمطالبته العلنية للعديد من الدول الصديقة لأمريكا بدفع مليارات الدولارات مقابل الحماية لعروشها وواصل سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على دول وشركات وأفراد من مختلف دول العالم وإطلق ثلاث مرات في ساعة واحدة وصف عنصري على كوفيد 19 بأنه ( الفايروس الصيني )

من المفارقات الواضحة ان ترامب اظهر عنصرية فاقعة عندما قتل المواطن الامريكي جورج فلويد حيث رفض إدانة عنف الشرطة المتفشي ضد المواطنين السود ووفي المقابل اعاد استخدم الأزمات الإنسانية في السودان لجره نحو الاعتراف بإسرائيل وتأييد صفقة القرن التي كانت تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ووضعه كشرط لإزالة الخرطوم عن قوائم الإرهاب وبما يؤكد استخدامه مكافحة الإرهاب كأداة لإخضاع الدول والشعوب بتحرير قرارات غير منسجمة مع مبادئ القانون الدولي كما تبنى مواقف موغلة في عنصرية وداعية للكراهية على أساس العنصر والدين لتغذية نزعة الحروب والاستيلاء على مقدرات الشعوب وعدم احترام القانون الدولي حيث منح ما لا يملك لمن لا يستحق وغلب مصلحة دوائر رأس المال المتوحش على حساب حقوق الناس في بيئة نظيفة وتنمية مستدامة

امام كل ذلك لا أعتقد أن ترامب سيفوز يوما بجائزة نوبل للسلام لمجرد رغبته و سعيه لنيلها في حين فاز بها أشخاص على مر التاريخ قدموا الكثير من الدوافع الصادقة لتحقيق السلام العالمي واختم بما قاله الامير السعودي الوليد بن طلال لترامب ذات يوم ( أنت عار ليس فقط على الحزب الجمهوري ولكن على أمريكا والعالم  بأسره ) ولن تحصل على جائزة نوبل للسلام ابدا كما تعلم ونعلم

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: