أ.د. طالب أبو شرار: الصراع بين إيران والكيان الصهيوني: عواقب الموقف العربي

أ.د. طالب أبو شرار: الصراع بين إيران والكيان الصهيوني: عواقب الموقف العربي

أ.د. طالب أبو شرار: الصراع بين إيران والكيان الصهيوني: عواقب الموقف العربي

أ.د. طالب أبو شرار

 المعركة التي وضعت أوزارها قبل يوم وبعض اليوم لم تكن محصورة بين إيران والكيان الصهيوني إذ اصطف معظم الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية خلف الكيان الصهيوني. ذاك الاصطفاف عكس طبيعة العلاقة بين الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني فالغرب أنشأ الكيان ورعاه خدمةً لأهدافه الاستعمارية وضمانةً لديمومةِ هيمنته على مقدرات كامل المنطقة بما في ذلك محيطها الإسلامي. لقد حشد الغرب خلف الكيان الصهيوني كل أدوات الصراع المعروفة: المال والسلاح والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة والإعلام الموجه وموارد حلفائهم الظاهرين والمستترين وأخيرا قوته العسكرية لضرب منشآت إيران النووية بقنابل GBU-57  المحمولة على القاذفات الشبحية الأمريكية B-2. هذه هي المرة الأولى التي يتحشد مثل هذا الحلف خلف الصهاينة لأنه بات من الواضح أن المواجهة الآن هي مواجهة مصيرية بين الغرب الاستعماري وبين قوى الانعتاق من ربقة الغرب ليس فقط فيما يخص إيران بل فيما يخص العالم الإسلامي برمته مضافا اليه العديد من الشعوب المستضعفة والمتعطشة الى الحرية الناجزة بعيدا عن الهيمنة الاستعمارية. في معظم صراعات الماضي، تمحورت المواجهات بين طرفين اثنين، المستعمِر وحركة تحرر وطني أو قائد شجاع أراد لبلده الحرية السياسية والاقتصادية. شهدنا مثل هذه الحالة في ليبيا الشهيد عمر المختار الهلالي 1931 وفي مصر عبد الناصر خاصة عقب تأميم قناة السويس وما تلاها من حملة السويس 1956 المؤلفة من التحالف الثلاثي، المستعمِر البريطاني ورفيقه الفرنسي وذيلهما “إسرائيل” التي كانت في عامها الثامن فقط وشهدناها أيضا في كوبا كاسترو التي فشل غزوها أمريكيا بعد هبوط المرتزقة في خليج الخنازير في العام 1961. وكما كان فشل حملة السويس بدايةً لنهوض قوى التحرر عبر العالم في مجموعة عدم الانحياز فإن المواجهة التي لم تنته بعد، رغم وقف النار، ستتلوها تداعياتٌ أخطر بكثير من تداعيات حملة السويس التي كانت من أجل هدف وطني مصري بالدرجة الأولى. هدف المواجهة الراهنة وِفقَ تصريحاتِ الصهاينة هو كسر العمود الفقري لإيران ومن ثمَ التأكيد على سيادة الكيان الصهيوني على كامل منطقتنا وبقائه شوكة غليظة في خاصراتنا جميعا رغم اعتقاد بعض الحالمين منا بأن خاصرته ستظل مصونةً من الأذى. ستكون هناك نتيجةٌ استراتيجيةٌ لهذه المواجهة وستمتد تداعياتها لما هو أبعد من العالم العربي أو العالم الإسلامي وستشمل طيفا عريضا من الدول الطامحة للانعتاق من قيود التسلط الغربي على مقدراتها. المؤلم في هذا المشهد أن معظم الدول العربية والإسلامية اكتفت فقط بمشاهدة النزال وربما بالتعاطف اللفظي دون فعلٍ يرقى الى بعضٍ من فعلِ الدعم المادي المقدم نصرةً للكيان الصهيوني في حربهم “علينا”. المؤلم أيضا هو جهلنا أو تجاهلنا لطبيعة هذا الصراع وأننا جميعا، من يدور في فلك الغرب ومن تمرد عليه، مستهدفون في النهاية. لقد قالها نتنياهو قبل بضعة أيام: هذا ليس صراعا على النفوذ العسكري أو الاقتصادي! إنه صراع حول هوية المنطقة! ثم أضاف “لا بد من تغيير الهوية الثقافية للمنطقة واستبدالها بهويتنا” أي سيتم زجنا في عصرٍ ثقافيٍ جديدٍ هو عصر الثقافة اليهودية ليُضاف الى العصور السابقة التي سادت منطقتنا في الماضي من إغريقية وثنية ورومانية وثنية ثم مسيحية وعربية مسلمة وتركية مسلمة! في العصر اليهودي القادم، ستتبدل أمور عديدة أولها التاريخ وهويتنا وأسماؤنا بل ولغتنا. سنتغنى “بالأبطال” اليهود الذين ما سمعنا عنهم من قبل وسننسى أسماء مدننا الكنعانية والعربية وسنُسَبِح باسم “يهوه”. قد يبدو ذلك ضربا من التهويل لكن تجارب الماضي مع الحركة الصهيونية علمتنا أن “أوهام” الصهاينة سرعان ما تحولت الى حقائق على الأرض ليس فقط بسبب قوتهم بل بسبب عجزنا ثم بسبب الدعم الغربي لهم وعلى كافة الصعد خاصة العسكرية والاقتصادية. من يحكم الكيان الصهيوني اليوم هم حفنة من المهوسين اليهود والمسيحيين المتصهينين الأمريكيين والذين يستلهمون مواقفهم المتطرفة من أساطير التوراة التي تعادي كل ما هو غير يهودي. لنتذكر فقط أن المجرم نتنياهو غالبا ما يُطَرِزُ خطاباته بمقتطفاتٍ من أسفار التوراة التي تنضح بالعنصرية وكراهية الغير وبالدعوة الى الإبادة الجماعية وقتل الأطفال والنساء بل حتى قتل الحيوانات المملوكة لأعدائهم. ولأن الصهيونية مدعومة من الغرب الاستعماري العنصري فلا أحد منا يجرؤ رسميا على انتقاد التوراة لكن انتقاد بعض أيات القرآن أو أحكامه أصبحت مرغوبةً ومُؤطَرة وعلى لسان كلِ من هب ودب بل وجرى حذف بعضها من كتب التعليم المدرسي في بلاد عربية عديدة.
       وكما فعلوا بالقران الكريم من تسفيه لآياته ومبادئه الإنسانية التي سبقت زمانها فقد عمدوا الى شق الصف المسلم بين سنة وشيعة فكفروا الشيعة الذين هم أنصار الإمام علي، ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة ووالد الإمامين الحسين والحسن. عرفوا لاحقا بالشيعة لأنهم تشيعوا للإمام علي ورفضوا نتيجة التحكيم بين علي ومعاوية الذي عقد في دومة الجندل (في محافظة الجوف السعودية هذه الأيام) والذي تم الاتفاق عليه بين المتناحرين عقب تسعة أيام من القتال الدامي بين جيشي على ومعاوية في صفين (بجوار الرقة السورية). الشيعة هم أيضا الرافضون لنتيجة التحكيم وليسوا الرافضين لأي ركن من أركان الإسلام الحنيف. إن دخول بعض الخزعبلات الى الفكر الشيعي لا يعني أنها جزءٌ من صُلبِ مُعتقدِ أتباعِ ذلك الفريق! هي تماما كالعديد من الخزعبلات التي دخلت على المذهب السني خاصة في عصور التخلف والانحطاط السياسي كالتقرب الى “أولياء الله” واضفاء القدسية عليهم أو إضفاء القدسية على مقاماتهم وعلى الكثير من شيوخ الصوفية الدينية ناهيك عن التشوه الديني في معظم فلسفاتهم. هذه الظواهر وغيرها منتشرة في أرجاء العالم الإسلامي السني لكن لا أحد يعيب على السنة صمتهم على مثل تلك التشوهات الدينية. من نافلة القول الإشارة الى أن تاريخ الإسلام لم يشهد هجوما فكريا على المذهب الشيعي مثلما جرى في العقود الأخيرة وكما يجري في وقتنا الراهن. في الماضي كانت الخلافات بين مذهبي السنة والشيعة مقتصرة في معظمها على الرموز السياسية هنا أو هناك مما مكَن المذهب الشيعي بقيادة الفاطميين من حكم مصر وكامل بلاد الشام التي سقطت القدس بيد الفرنجة في عصرهم (15 تموز 1099). عندما احتل الفاطميون مصر بقيادة جوهر الصقلي (969) تحول الشعب المصري طواعية الى المذهب الشيعي وتبعه أهل الشام من أقصاها الى أقصاها ثم عندما دانت مصر والشام لحكم صلاح الدين الأيوبي عادت مصر والشام لمذهب السنة الشافعيين وهو مذهب صلاح الدين الأيوبي نفسه لكن غالبية المصريين وأهل بلاد الشام هذه الأيام يتبعون المذهب الحنفي أو الشافعي. هذا التبادل المذهبي في قناعات الناس هو مؤشر صادق على هامشية الخلاف بين المذهبين! في العصر الأموي، تستر العباسيون (نسبة الى العباس ابن عبد المطلب أصغر أعمام الرسول وليس نسبة الى العباس ابن علي ابن أبي طالب الذي قتل في كربلاء دفاعا عن أخيه غير الشقيق الإمام الحسين بن علي) تحت مظلة الشيعة الذين دعموهم في بداية دعوتهم لإسقاط حكم بني أمية ثم انقلب العباسيون على الشيعة خوفا من المنافسة على الحكم وبطشوا بهم بأسلوب كان أشرس من أسلوب الأمويين. دفع ذلك الظلم شعراء الشيعة الى الانقلاب على العباسيين بل وهجائهم رغم انتسابهم الى العباس عم النبي. من أشهر أولئك الشعراء ديك الجن ودعبل الخزاعي والسيد الحميري وكلهم عاشوا في بداية عهد العباسيين.
       لم يكن ما سبق دفاعا عن الشيعة أو عن الفكر الشيعي فأي عربيٍ مسلمٍ صادقٍ مع نفسه يعتز بعروبته لرفضه القطرية الإقليمية لقناعته بأنها ملهاة من صنع الغرب ابتدعها لتفريقنا وإضعاف كلمتنا تماما كرفضه المذهبية الدينية لأنها لم تعد مذهبية سياسية كما كانت في السابق وإنما أداة خبيثة في يد الغرب يذكيها متى أراد خدمةً لمصالحة اللئيمة ولبث الفرقة بين المسلمين. ما ذكرته لم يكن سوى توضيح لحقيقة فريق من المسلمين وهم يمثلون واحدة من ثلاث فرق انتجتها صراعات سياسية بين علي ومعاوية (وكلاهما مبشر بالجنة) كان هدفها السلطة: المتشيعون لعلي والخوارج على الإثنين وهم من فرضوا منطق التحكيم على الطرفين وكانوا نحو عشرين ألفا من جند علي وبينهم العديدون من حفظة القران. لقد فرضوا على عليٍ منطق التحكيم بعد أن رفع جند معاوية القران الكريم على أسنة الرماح مطالبين بوقف الاقتتال واللجوء الى القران ليحكم بين الطرفين. كان هناك فريق ثالث هم أتباع معاوية والذين وصفوا لاحقا بأنهم أتباع السنة والجماعة. هي قصص من الماضي ما كان لها أن تتحول الى كراهية دهرية بين الفريقين لولا أن هناك من يغذي إوارها باستمرار. هي قصصٌ عايشت مثلَها معظم الأمم لكن ذيولها انتهت عندما تحولت الى ماضٍ بعيد أو قريب، فما بالنا نحن؟ هل نحن حمقى الى هذا الحد؟ لم يقصف الشيعة الكعبة المشرفة بالمنجنيق ولم يقتلوا عبد الله بن الزبير ابن أسماء ابنة أبي بكر وذات النطاقين ولم يعلقوا جسده على شجرةٍ لتستعطف أمه الحجاج بن يوسف الثقفي، عامل عبد الملك ابن مروان الأموي، ليطلق سراح الجثمان! في المواجهة التي لم تنته بعد بين إيران ومجمل الغرب قد تهزم إيران في النهاية. لكن، إن هزمت إيران، سيخرج من بيننا من يُرجعُ ذلك الى “زيف” دعاوي زعمائها و”معتقداتها” بل وسيشمت الكثير منا، نحن السنة، بهزيمتها لأنها تمثل فريق “الرافضة” ذلك الفريق الخارج عن مسار أهل “السنة والجماعة”. للأسف، سنظل نعيش في الماضي وكأن تحزبنا اليوم لهذا أو ذاك سيعيد عجلة الزمن الى الوراء وسيغير مجريات الأمور في المستقبل. إن هزمت إيران، لن ندرك أن عداءنا لها وحربنا المكشوفة ضدها جردتها من محيطها المسلم وساهمت الى حد كبير بهزيمتها أمام أعدائنا جميعا. لن ندرك أننا صنعنا هزيمتها وأن أعداءنا سيضحكون علينا جميعا. من يظن من أصدقاء الغرب بيننا أنه سيعامل كصديق سيكتشف في مواقف لاحقة أنه لم ولن يكون صديقا بل تابعا للسيد الغربي الذي سرعان ما يستبدله بآخر عند انتفاء الحاجة اليه! إن هزمت إيران لن يدرك بعضنا أن السبب يكمن في تعلقنا بجزئيات دينية هي تفاصيل التفاصيل في الدين، إن صحت، وأننا تركنا دستور الإسلام وراء ظهورنا. لم نلتفت الى أركان الإسلام التي نتفق والشيعة عليها وأصغينا للمحرضين على الفتنة حتى وإن كانوا أئمة من الماضي البعيد فلا أحد معصوم عن الهوى! للأسف المرير، نسينا أن من أجج ذلك العداء بين أبناء الإسلام هم الغربيون أنفسُهم وأننا انقدنا وراء دعاويهم كالخراف وكثر منظرو العداء فيما بيننا لكنا لم ندقق مرة واحدة في أهليتهم الفكرية وفي عمق معرفتهم بشؤون الحياة ومتطلبات العصر الذي نعيشه بل وبجوهر الدين الحنيف. لقد أصغينا الى أولئك المتحدثين لأنهم يتقنون الكلام المسطح ويربون اللحى الممتدة ويرتدون ثياب الماضي السحيق الذي يحبون العيش في ظلاله.
       مفكر عربي

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: