ضغوط الحرب تُجبر الشركات على كسر ثبات الأسعار

ضغوط الحرب تُجبر الشركات على كسر ثبات الأسعار

دفعت التوترات الجيوسياسية الأخيرة فى المنطقة، خاصة التصعيد بين إيران وإسرائيل وتداعياته على حركة التجارة والطاقة، عددًا من الشركات الصناعية إلى مراجعة سياسات التسعير الخاصة بها، فى ظل ارتفاع تكاليف الشحن وعدم استقرار أسعار الصرف.

وقال مستثمرون ومصرفيون لـ«البورصة»، إن الشركات بدأت إعداد سيناريوهات مرنة للتسعير لمواكبة المتغيرات المتسارعة فى الأسواق العالمية بهدف الحفاظ على الهوامش الربحية، خاصة مع زيادة المخاطر المرتبطة بسلاسل الإمداد وتكاليف التشغيل.

أبو المكارم: الشركات تتخلى عن التسعير السنوي الثابت وتلجأ للمراجعة الشهرية

قال خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية والأسمدة، إن التصعيد الجيوسياسى فى المنطقة دفع العديد من الشركات إلى إعادة النظر فى سياسات تسعير المنتجات، خاصة فى القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أو المعتمدة على خامات مستوردة.

وأضاف لـ«البورصة»، أن أبرز المتغيرات المؤثرة تشمل ارتفاع تكاليف الشحن البحرى، وتذبذب أسعار الغاز الطبيعى، بجانب صعوبة التنبؤ بتحركات سعر الصرف أو توافر العملة الأجنبية، وهو ما دفع بعض الشركات لتبنى أنظمة تسعير مرنة، تُراجع شهريًا أو مع كل شحنة، بدلاً من الالتزام بعقود تسعير سنوية ثابتة.

وأشار أبو المكارم، إلى أن السوق شهد استقرارًا نسبيًا فى سعر الصرف خلال الشهور الماضية، لكن استمرار التوترات فى الممرات البحرية، مثل البحر الأحمر ومضيق باب المندب، قد يدفع الشركات إلى زيادة الطلب على الدولار، ما يرفع من احتمالات حدوث موجة تصحيح فى سعر الصرف، وفقًا لرؤية البنك المركزى وسياساته النقدية.

وأوضح أن ارتفاع أسعار الشحن البحرى وأقساط التأمين على البضائع العابرة للممرات البحرية ساهم فى زيادة التكلفة اللوجستية وتأخير بعض الجداول الزمنية للتوريد، ما أثر بدوره على قرارات التسعير.

وأكد أن الأزمات الجيوسياسية باتت نمطًا متكررًا وليست أحداثًا استثنائية، وهو ما يتطلب من الشركات تبنى نماذج تسعير مرنة، إلى جانب التحوط المالى واللوجستى، واتخاذ قرارات قائمة على تحليلات فورية للأسواق العالمية.

جمال الدين: زيادة أسعار الشحن تدفع المصدرين لإعادة تسعير المنتجات النهائية

من جانبه، قال وليد جمال الدين، عضو المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية، إن الشركات فى قطاعه بدأت بالفعل فى مراجعة سياسات التسعير، موضحًا أن أى زيادات فى تكاليف الإنتاج مثل النقل أو الطاقة تُنقل فورًا إلى السعر النهائى.

وأشار لـ«البورصة»، إلى أن هذا النهج مُتبع عالميًا، حفاظًا على الربحية دون الإضرار بالتنافسية، خاصة أن الشركات فى معظم الدول المتضررة من الأوضاع نفسها ستتجه إلى رفع الأسعار، ما يخلق نوعًا من التوازن فى الأسواق.

وكشف عن وجود زيادة بنسبة تصل إلى 15% فى أسعار النقل البحرى من الصين إلى الشرق الأوسط، ما يمثل عبئًا إضافيًا على سعر المنتجات النهائية.

زغلول: تذبذب الطاقة وسلاسل الإمداد يضع التسعير تحت ضغط مستمر

وقال طارق زغلول، عضو المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية والأسمدة، إن الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل، أثر بشكل مباشر على السوق العالمى، لا سيما فى ما يخص أسعار الطاقة والشحن والخامات.

وأضاف لـ«البورصة»، أن الشركات لم تعد قادرة على الاعتماد على سياسات تسعير ثابتة لفترات طويلة، نظرًا لتسارع التغيرات فى الأسواق، ما يستلزم مراجعة الأسعار بصورة دورية وفقًا لتكلفة كل شحنة.

وأوضح زغلول، أن العوامل الرئيسية المؤثرة على التسعير تشمل أسعار النفط، وأسعار الغاز الطبيعى، وتكاليف الشحن، بجانب تعطل الملاحة فى بعض الممرات الحساسة مثل قناة السويس، بسبب التوترات الأمنية.

ولفت إلى أن بعض الأسواق الخارجية تتفهم زيادات الأسعار وتستوعبها، فيما تواجه الشركات صعوبات فى أسواق أخرى أكثر حساسية للسعر، مشيرًا إلى أن استمرار الحرب قد يضاعف التحديات ليشمل نقص توافر الخامات، وليس فقط ارتفاع أسعارها.

يوسف: الطاقة التقليدية لم تعد مأمونة.. والمصانع بحاجة لبدائل مستدامة

وقال بسيم يوسف، رئيس مجلس إدارة شركة الماكو للمحولات الكهربائية، إن أى اضطرابات فى سوقى النفط والغاز الطبيعى تؤثر فورًا على قطاعات صناعية واسعة، نظرًا لاعتمادها المباشر على مصادر الطاقة.

وأشار إلى أن التغيرات الجارية تفرض ضغوطًا على سلاسل الإنتاج، ما يجعل الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية أمرًا ضروريًا، وليست مجرد خيار.

واقترح يوسف، أن يتم توليد ما لا يقل عن 25% من احتياجات الطاقة فى المصانع من الطاقة الشمسية، على أن تزيد تدريجيًا، لتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية وضمان استقرار التكاليف وتحقيق استدامة صناعية.

عبدالله: مصنع نسيج يُبقي الأسعار ثابتة رغم بطء الإمدادات وارتفاع التكلفة

وقال أحمد عبدالله، مدير الحسابات بشركة وجدى مؤمن للصناعات النسيجية، إن الشركة تُعد سيناريوهات متعددة لمواجهة أى ارتفاع محتمل فى التكاليف، بما يضمن الحفاظ على هامش الربح.

وأوضح لـ«البورصة»، أن أزمة الشحن الحالية أثرت على مواعيد وصول البضائع، ما أدى إلى زيادة زمن التسليم وتكاليف النقل، مشيرًا إلى أن الشركة تُصدر بشكل أساسى إلى أوروبا، وهو ما يقلل من أثر الأزمة على الصادرات مقارنة بالواردات.

وأضاف أن الشركة ما زالت تُبقى على تسعير منتجاتها عند مستوى 51 جنيهًا للدولار، مع متابعة دقيقة لتطورات الوضع لتحديد أى تغييرات مستقبلية محتملة.

الطوخي: المستوردون يواجهون الغموض بتخزين الخامات وتثبيت التسعير مؤقتًا

وقال أسامة الطوخى، رئيس شركة الطوخى للصناعات الجلدية، إن الشركات التى تعتمد على الاستيراد ستكون الأكثر تأثرًا بالأزمة الحالية.

وأوضح لـ«البورصة»، أن ارتفاع تكاليف النقل والطاقة سيدفع بعض المستوردين إلى الاحتفاظ بالمخزون الحالى تحسبًا لحدوث زيادات مستقبلية فى الأسعار أو سعر الصرف.

وأشار إلى أن الأزمة الحالية قد تتسبب فى اضطرابات كبيرة فى سلاسل التوريد، خاصة مع تأخر الشحنات وارتفاع تكلفة الاستيراد، ما سيؤدى إلى تقلبات فى أسعار المنتجات النهائية فى الأسواق المحلية.

وأكد الطوخى، أن الشركات المحلية مطالبة بالحفاظ على تنافسيتها دون نقل الأعباء كاملة إلى المستهلك، حتى لا تتأثر قدرتها على البقاء فى الأسواق الداخلية والخارجية.

مبروك: استقرار مؤقت للأسعار مدفوع بتوافق حكومي صناعي على ضبط السوق

وقال حسن مبروك، مدير عام مصانع شركة يونيفرسال للأجهزة الكهربائية، إن الشركات تتابع عن كثب التطورات الجارية فى الأسواق، وتقوم بمراجعة التسعير فى ضوء التأثير الزمنى للأزمات.

وأضاف لـ«البورصة»، أن الشركات لا تتجه لتعديل الأسعار فورًا إذا كان التأثير مؤقتًا، لكن فى حال استمرار الأزمات، تبدأ الشركات تفعيل آليات تسعير بديلة تتناسب مع المتغيرات.

وأشار إلى أن الاجتماع الأخير لرئيس مجلس الوزراء مع رؤساء الغرف الصناعية ساهم فى ضبط الأسواق والحد من زيادات غير مبررة فى الأسعار، دعمًا لاستقرار السوق المحلى رغم التحديات الخارجية.

عبد العال: البنوك تسرّع فتح الاعتمادات رغم توترات المنطقة وتقلبات الخارج

أكد محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، أن البنوك تواصل تسريع إجراءات فتح الاعتمادات المستندية ومنح خطابات الضمان، ما يعكس توافر السيولة الدولارية لديها، رغم التوترات الإقليمية القائمة.

وأوضح عبد العال، أن الظروف المحلية والعالمية تحدد آلية البت فى طلبات فتح الاعتمادات، استنادًا إلى الطلب المحلى من المستثمرين والمستوردين من جهة، ومدى استقرار الأسعار العالمية من جهة أخرى.

أشار إلى أن بعض المستوردون قد يتريثون فى تقديم طلبات جديدة نتيجة ارتفاع الأسعار عالميًا، خاصة بعد تصاعد حدة الأوضاع الجيوسياسية.

ولفت إلى أن السوق المصري يخضع لنظام صرف مرن، وفقًا لسياسة البنك المركزى، وهو ما يسهم فى استقرار سعر الدولار بصورة تدريجية رغم الضغوط المستمرة.

فى السياق ذاته، أكد مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الدولة لا تواجه أي أزمة في توافر السلع حاليًا، مشددًا على أن الحكومة تؤمّن كافة الاحتياجات المطلوبة في ظل الظروف الإقليمية الراهنة.

وقال مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عقده الأربعاء الماضى، إن الحكومة لم تتلقَ أي شكاوى تتعلق بتأخر أو عدم استجابة لطلبات فتح الاعتمادات الدولارية أو توفير مستلزمات الإنتاج، مؤكدًا انتظام هذه العمليات بشكل طبيعي.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة تعمل على تأمين احتياطاتها لفترات طويلة، في إطار استعداداتها لكافة السيناريوهات المحتملة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، موضحًا أن أحد هذه السيناريوهات هو استمرار الوضع الحالي بكل ما يحمله من تحديات وتعقيدات.

وجيه: تحركات مصرفية لدعم الواردات الأساسية وتسهيل تمويل الصناعة

من جانبها، قالت شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية، إن البنوك تشهد منافسة متزايدة فى تسريع وتيرة فتح الاعتمادات المستندية، فى ظل تحسن ملحوظ فى الموافقات على الطلبات، خاصة تلك المتعلقة بالسلع الأساسية ومدخلات الإنتاج.

وأضافت أن البنك المركزى يوجه البنوك العاملة بالسوق المصرية بتقديم تسهيلات أكبر لتمويل واردات السلع الضرورية، بما يدعم استمرار النشاط الصناعى، ويعزز مخزون الدولة من المواد الأساسية فى ظل تصاعد المخاطر الإقليمية.

وأوضحت أن الاستجابة لطلبات العملاء، خصوصًا المرتبطة بالسلع الحيوية، ترتبط بمدى توافر السيولة الدولارية لدى كل بنك.
أشارت إلى أن الربع الثالث من 2025 قد يشهد نشاطًا ملحوظًا فى فتح الاعتمادات حال تسريع تنفيذ الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو تعزيز برنامج الطروحات الحكومية.