
لماذا نلوم النظام الانتقالي الحاكم في سورية أكثر من “داعش” بالوقوف خلف مجزرة كنيسة مار الياس في قلب دمشق؟ ونسأل: أين الحاضنة التركية؟
عبد الباري عطوان
هذا الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة القديس مار الياس في حي الدويلعة في العاصمة دمشق يوم امس الاحد وأدى الى مقتل 22 مصليا وإصابة 63 آخرين، أعاد النظام الانتقالي الجديد في سورية الى العناوين الرئيسية، ولكن للأسباب الخطأ بعد ان انحسرت عنه الأضواء وتوقفت الاحتفالات به في الأيام الأخيرة، وتبتت التهمة ذات الطابع الطائفي الديني الموجهة اليه، علاوة على عجزه عن حماية الأقليات الدينية والعرقية، وربما الأكثرية السنية في الأسابيع والاشهر والسنوات القادمة، هذا اذا طال بقاؤه في السلطة.
الجميع في سورية، وبعد المجازر الدامية التي تعرض لها أبناء الأقلية العلوية في الساحل الشمالي، والهجمات التي استهدفت الكنائس المسيحية واحتفالاتها الدينية في حلب وغيرها، يعلم ان مثل هذه الهجمات التي تشكل التحدي الأكبر للنظام الجديد، ستتكرر اذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، وعلى رأسها إعطاء الأولية من قبل قوات الأمن لهذه المسألة، والمساواة بين جميع المواطنين، ولكن من المؤسف ان ما حدث هو العكس تماما، حتى الآن على الأقل.
***
فهذه الكنيسة التي تقع في قلب العاصمة السورية، كانت وما زالت، هدفا للجماعات الإسلامية المتطرفة التي جاءت تحت عباءة النظام الجديد، ويزيد تعدادها عن 17 تنظيما، وكان من المتوقع ان توفر لها السلطات الجديدة كل الحماية اللازمة، خاصة ان مثل هذه المجزرة تنعكس سلبا على، علاقاتها مع العالم الغربي الذي قدم لها الدعم والاعتراف، وأقام لها سرادق الترحيب احتفالا بوصولها الى سدة الحكم على أنقاض النظام السوري السابق الذي كانت حماية الأقليات، والتعايش بين جميع الطوائف والأديان أبرز إنجازاته اتفقنا معه او اختلفنا.
كان لافتا، ومنذ اليوم الأول، ان النظام الانتقالي في سورية يتباها بالامبراطورية الاموية وإرثها، ويعتبرها قدوة له، انطلاقا من أسباب سياسية طائفية الطابع، وتمسكا بالقشور وليس بالجوهر، فهذه الإمبراطورية كانت لكل رعاياه من المسلمين والايدان الأخرى، ورمزا تاريخيا في المساواة وقيم التعايش والاحترام لكل الديانات ليس في المناطق الواقعة تحت حكمها في المشرق، وانما في دولة الاندلس البعيدة على مدى عدة قرون، والتي كانت مثلا تعلم منه الغرب في التعايش والابداع في كل المجالات.
فكيف سيثبت هذا النظام اقدامه وحكمه اذا كان قد تغاضى عن احتلال إسرائيل، وجيشها لمعظم الجنوب السوري، ولم يتحدث مطلقا عن تحرير الأراضي السورية في الجولان المحتل، بل أرسل الوفود الى تل ابيب وباكو (أذربيجان) للتفاوض مع العدو الإسرائيلي، والتنسيق الأمني معه ربما تمهيدا للتطبيع وها هو الآن يفشل في حماية المصلين في واحدة من أكبر وأعرق الكنائس على الأراضي السورية الخاضعة لحكمه.
اتهام النظام للدولة الإسلامية “داعش” بالوقوف خلف هذه المجزرة هو تهرب سهل من المسؤولية، فهناك منظمات وفصائل حليفه له، انتقلت تحت جناحيه وحمايته من ادلب الى دمشق لا تقل تطرفا عن “داعش”، وقد تقدم في المستقبل المنظور على مجازر تتواضع امامها مجزرة الكنيسة المذكورة آنفا، سواء ضد الأقليات او حتى أبناء الطائفة السنية الذين يختلفون معهم عقائديا.
ندرك جيدا ان عمر هذا النظام في السلطة لا يزيد عن بضعة أشهر، ولا نحتاج الى من يذكرنا بهذه الحقيقة، وردنا بسيط جدا، وهو أين الدول العربية والخليجية الداعمة له التي تملك جيوشا جرارة وأجهزة أمنية متطورة جدا، وخزائن طافحة بالتريليونات، ونسأل أيضا أين الدولة التركية الحاضنة الرئيسية لهذا النظام التي لعبت دورا كبيرا في إسقاط النظام السابق، ووصوله الى السلطة السورية؟ أين جيشها وقواتها الأمنية العملاقة، وخبراؤها في مجالات الأمن والاستخبارات، ام ان هذه الخبرات متخصصة في إسقاط الأنظمة، وليس تثبيت اقدامها في الحكم؟
***
إدانة هذه المجزرة بأقوى العبارات وتحميل المسؤولية لفصيل “داعش” والوعد بعدم تكرارها، كلها أعذار غير مقبولة، وقمة التضليل والخداع والهروب من تحمل المسؤولية، والشيء نفسه نقوله عن المطالبات بالتحقيق بالمجزرة، فالمهاجم معروف، والضحايا معروفة، والدوافع مكتوبة على الحائط، ثم ما هو مصير التحقيقات في مجازر الاخوة العلويين والدروز، ولماذا لم يتم تطبيق الدروس المستفادة منها إذا كانت قد أجريت فعلا، بحيث لا يتم تكرارها وفي وضح النهار.
المستقبل السوري لا يبشر بالاطمئنان والأمن والاستقرار، نقولها وفي الحلق مرارة العلقم، سورية مقدمة على أتساع العنف المسلح والتقسيم للأسف، إذا استمرت هذه المجازر وعجز الدولة عن حماية مواطنيها، والتعاطي معهم على قدم المساواة، دون أي تفرقة او تمييز، ونحن هنا الا تطلب المستحيل.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: