رانية مرجية: من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! دماء مار إلياس تصرخ في شوارع دمشق

رانية مرجية: من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! دماء مار إلياس تصرخ في شوارع دمشق

رانية مرجية: من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! دماء مار إلياس تصرخ في شوارع دمشق

رانية مرجية
حين يهتزُّ جرس كنيسة مار إلياس في الدويلة، لا ليدعو المؤمنين للصلاة، بل لينهار مع أجسادهم المتناثرة، ندرك أن الجحيم لم يعد ينتظر أحدًا في الآخرة، بل يُستورد إلينا بالجملة، ومجّانًا.
مجزرة اليوم في دمشق، في قلب كنيسة أرثوذكسية، ليست “حدثًا إرهابيًا عابرًا” كما يطيب لوكالات الأنباء أن تُسطّح الألم وتُعقّم الدم. إنها إعلان رسمي بأن المسيحي العربي لم يعد فقط مهجَّرًا ومضطهَدًا، بل صار مذبوحًا ومُفجَّرًا في بيته، وداخل قداسه، وأمام صليب الرب الذي لم يعد يكفي ليحميهم.
 
 
المجزرة ليست مجرد رقم

ما بين عشرين قتيلاً وأكثر من خمسين جريحًا، لا نعد ضحايا فقط. نحن نعد قلوبًا توقفت عن الخفقان في بيت الرب، أرواحًا كانت تقول: “السلام لك يا مريم”، قبل أن تقاطعها شظايا الحقد باسم الله ذاته. هل رأيتم إلهًا يتبنّى قاتليه؟!
أيّ عقيدة هذه التي تحوّل جسد المؤمن إلى عبوة ناسفة؟ أيّ عدوّ هذا الذي لا يفرّق بين مسجد وكنيسة، بين صومعة ومئذنة؟ بل أيّ مجتمع هذا الذي لا يعود يحمي ضعفاءه حين يسجدون؟!
 
حين يُفجَّر الإيمان

ليس في الأمر فقط تفجير كنيسة. إنه تفجير لما تبقى من نسيجٍ وطني مشروخ، وتفجير لذاكرتنا الجمعية التي اعتادت، منذ ألفي عام، أن ترى المسيحيين جزءًا لا يتجزأ من فسيفساء هذه البلاد. حين تُفجَّر كنيسة مار إلياس، لا تنفجر معها فقط جدران حجرية، بل تنفجر فكرة العيش المشترك برمّتها. تُفجَّر أجراس طفولتنا التي اعتادت أن ترنّ في رمضان، وتستقبلنا في الميلاد كما في العيد.
 
 
ما بعد التفجير: صمت أشدّ انفجارًا

مَن سيتجرأ على مساءلة الجناة؟ ومَن سينبس ببنت شفة؟ لا أحد. لأن القاتل معروف. ولأن الجهات التي درّبته ومَوّلته وسلّحته، تدّعي اليوم الحزن عليه. نعم، القاتل ليس فقط ذاك الانتحاري الذي فجّر نفسه بين المقاعد الخشبية، القاتل الحقيقي هو ذلك العالم العربي المتخاذل، المتواطئ، الذي يشهد مجازر الأقليات وكأنها لا تعنيه.
 
المسيحيون في المشرق: من مواطنين إلى أهداف

لقد آن أوان القول الواضح: المسيحيون في المشرق العربي يُقتَلون مرتين: مرةً بالتفجير، ومرةً بالتجاهل. دماؤهم لا تُغطّي شاشات التلفزة، ولا تستفزّ بيانات الجامعة العربية، ولا تحرّك حملات التضامن. إنهم الأقلية التي لا أحد يجرؤ أن يعتبرها ضحية، كي لا يُتهم بـ”الطائفية المعكوسة” أو بـ”خدمة أجندات خارجية”.
لكن الحقيقة أبسط من كل هذه الخرافات: هؤلاء المذبوحون، اليوم، في كنيسة مار إلياس، كانوا سوريين، دمشقيين، عربًا قبل أن يكونوا مسيحيين. كانوا يصلّون من أجل سوريا… فأُجبروا أن يصلّوا على أرواحهم.
 
 
كلمة أخيرة في وجه النسيان

قد لا يُحاسَب أحد. قد تُمحى أسماء الضحايا بعد أسبوع. قد لا تنكّس الأعلام. لكن دماءهم لن تُنسى. فكل رصاصة اخترقت قدّيسًا، ستعود لتخترق ضمير هذا العالم.

وفي النهاية، من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟!
لقد فُجّرت اليوم، مرّتين: مرةً بالحقد، ومرةً بصمتنا
كاتبة فلسطينية /الرملة

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: