
تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهداف متعددة باعتمادها سياسة القتل المستهدف (الاغتيالات) في إيران، حيث تبدأ بإضعاف النظام وحشره في الزاوية قدر المستطاع، وصولاً إلى ضرب وكلائه في المنطقة، وما بينهما أهداف أخرى منتَظَرة.
ومع اغتيال إسرائيل عدداً من قادة «الحرس الثوري» والعلماء الإيرانيين في «ليلة الاغتيالات»، كما يسميها الإعلام العبري، بينهم قائد فرع فلسطين في «الحرس الثوري»، سعيد إيزدي، تتكشف أكثر أهداف إسرائيل من وراء هذه الاغتيالات.
وقال البروفسور عوزي رابي، مدير مركز «موشيه ديان» في جامعة تل أبيب للدراسات الأفريقية والشرق أوسطية، إن «الضربات الجراحية الإسرائيلية»، إضافة إلى أنها تكشف عن ضعف النظام، فهي تخلق واقعاً جديداً يجبر المرشد الإيراني خامنئي على الاختيار بين إنقاذ الأسلحة النووية أو إنقاذ النظام.
وأضاف في مقال نشرته «القناة 12»: «إن إقصاء شخصيات بارزة من الصناعة النووية والنظام العسكري، والضربات الدقيقة لمواقع رئيسية نووية، والتعطيل الكبير للبنية التحتية الحيوية، كل هذه الإجراءات تُشكّل خطوة شاملة تُرسل رسالة واضحة إلى الشعب الإيراني والعالم أجمع: لقد تم اختراق الحدود، حرفياً، وهو وضع يخلق واقعاً جديداً (…) إسرائيل لا تعمل فقط على تعطيل المسارات النووية، بل أيضاً على تقويض شعور النظام بالحصانة، مما يُشكل تحدياً استراتيجياً غير مسبوق للحكومة في طهران».
ولا يرى رابي أن إسقاط النظام سهل، ولا يعتقد أن إسرائيل وحدها قادرة على ذلك، لكنه يعتقد أن الأقرب هو تخلي إيران عن البرنامج النووي.
وأضاف: «تواجه قيادة الجمهورية الإسلامية الآن قراراً مأساوياً: الطاقة النووية هي المحرك، لكن البقاء ضرورة. يدرك خامنئي وشعبه أن إيران قادرة على تحمل الضرر الذي قد يلحق بالمنشآت النووية، أو تأخير المشروع، أو حتى التعرض العلني، لكنهم لا يستطيعون تحمل الانهيار الداخلي. إذا اضطروا إلى اتخاذ قرار، فقد يختارون تأجيل التقدم النووي تكتيكياً، أو على الأقل طمس معالمه العامة، حفاظاً على وجود النظام».
اغتيال إيزدي وتداعياته الأمنية
وإذا كانت الضربات تهدف إلى إجبار إيران على التراجع عن النووي، فهذا واحد من بين أهداف أخرى. وخرج وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان إيال زامير، للتحدث عن أهمية اغتيال سعيد إيزدي، وأفردت وسائل الإعلام الإسرائيلية مساحات واسعة لتغطية الخبر.
وقال كاتس إن إيزدي، الذي قُتل خلال غارة على شقة في مدينة قم، وسط إيران، جنوب العاصمة طهران، هو أكبر مسؤول في «الحرس الثوري»، وكان يموّل ويسلح حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» لتنفيذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وقاد خطة تدمير إسرائيل عبر «غارة برية من عدة مواقع في وقت واحد».
وأكد زامير الأمر قائلاً إن إيزدي قاد محور إيران و«حماس»، وكان القضاء عليه أحد الإنجازات المحورية في الحرب الحالية، وعلى التهديدات المتعددة. وأضاف أن الاغتيال «يجعل الشرق الأوسط بأكمله أكثر أماناً، لأن إيزدي كان أحد الشركاء السريين في تخطيط وتنفيذ مجزرة السابع من أكتوبر، ويداه ملطختان بدماء آلاف الإسرائيليين. وكان قائد محور إيران – (حماس)، والمقرب من يحيى السنوار ومحمد ضيف. هذا إنجاز استخباراتي عظيم لشعبة الاستخبارات وسلاح الجو».
وثائق جديدة تكشف حجم نفوذ إيزدي
والاحتفاء باغتيال إيزدي جاء بوصفه جهة التواصل مع «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وهو مسؤول عن تهريب الأسلحة ونقل الأموال، وحتى تدريب عناصر في المنظمات المسلحة في قطاع غزة والضفة الغربية. وذكرت مصادر إسرائيلية أن إيزدي ساهم بشكل كبير في تحقيق رؤية «وحدة الساحات» ضد إسرائيل.
وخلال الحرب في غزة، كان إيزدي مسؤولاً أيضاً عن تشغيل قوات «حماس» في لبنان، وعمل على الحفاظ على حكم «حماس» في قطاع غزة. ووفقاً للجيش الإسرائيلي، كان الخبير الإيراني الرئيسي في القضية الفلسطينية. وبحسب مركز «مئير عميت» لمعلومات الاستخبارات والإرهاب، فقد كشفت الوثائق التي تم ضبطها خلال المناورة البرية في قطاع غزة عن الدور الحاسم الذي لعبه إيزدي في بناء «محور المقاومة».
وتظهر «الوثائق» أن إيزدي نجح على مر السنين في أن يصبح شخصية محورية في صنع القرار بـ«حماس». وبحسب مركز المعلومات، فإن إيزدي رسّخ نفوذه على منظمات محور المقاومة الخاضعة لمسؤوليته. وقد ساهم وأثر في مجالات عديدة، منها الدعاية والحملة الإعلامية، وكان منخرطاً في المشكلات الأساسية التي نشأت على مر السنين مع بناء المحور، بما في ذلك الصراعات داخل «حماس» بين مؤيدي التقارب مع إيران ومعارضي النفوذ الإيراني المتزايد بقيادة خالد مشعل.
وكتب المراسل العسكري والأمني آفي أشكنازي في «معاريف» أن اغتيال إيزدي لا يشكل ضربة مباشرة لإيران، ولكن أيضاً لوكلائها في قطاع غزة ولبنان. وقد تؤثر هذه الخطوة على القتال في غزة والمفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن. ونقل أشكنازي عن مسؤول كبير في الجيش: «عندما تسأل أي ضابط استخبارات من هو الأسوأ، إيزدي أم رئيس الأركان الإيراني؟ سيقولون جميعاً إن إيزدي هو أسوأ رجل بالنسبة لإسرائيل». وعلّق إشكنازي: «لا يُعدّ اغتياله مجرد ضغط على إيران، بل هو في المقام الأول عاملٌ يُلحق ضرراً بالغاً بـ(حماس)».