الخراز عبدالمنعم: أين مؤسسات الحكامة الدولية لوقف الحروب اللامتناهية!!؟ والحاجة الملحة لإصلاحها وتعديلها أو تجاوزها

الخراز عبدالمنعم: أين مؤسسات الحكامة الدولية لوقف الحروب اللامتناهية!!؟ والحاجة الملحة لإصلاحها وتعديلها أو تجاوزها

الخراز عبدالمنعم: أين مؤسسات الحكامة الدولية لوقف الحروب اللامتناهية!!؟ والحاجة الملحة لإصلاحها وتعديلها أو تجاوزها

 
 
الخراز عبدالمنعم
  قد يتبادر إلى ذهن البعض وكل متتبع وباحث في السياسة الدولية، والعلاقات بين الدول هذا التساؤل/ الصرخة كما في العنوان أين مؤسسات الحكامة الدولية..!!؟ أنه سؤال عقيم بدون معنى، فمنذ ظهور الدول وتشييد الانسان للحضارة كانت الحروب هي السمة الغالبة في العلاقات بين الأمم والحضارات والدول، سواء بدوافع اقتصادية أو دينية أو طموحات توسعية، ويعلّمنا شاعر أرض بداية الحضارة الإنسانية الشاعر العراقي ” مظفر النواب” الذي يقول: ” وطني علمني، أن حروف التاريخ تكون مزورة حينما تكون بدون دماء” (1) وبعيدا عن المتمنيات والمثاليات، واليوتوبيا، والأحلام الوردية، يتضح أن التاريخ البشري كُتِبَتْ حروفه وأحداثه بأنهار من الدماء، فالصراع لازم الانسان منذ ظهوره، سواء في صراعه مع الطبيعة للتغلب عليها، أو صراعه مع نوعه، أو مع الكائنات المفترسة الأخرى، وفي نفس النهج والطريق يسير انسان اليوم ممثلا في الدول الكبرى والمتوسطة والصغرى والصغيرة جدا، بحيث سجل الانفاق العسكري العالمي رقما قياسيا جديدا سنة 2024 ليصل إلى 2718 مليار دولار(2)، حسب التقرير السنوي الذي أصدره معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (Sipri) (3) بالسويد يوم الاثنين 28 أبريل 2025، وسجل التقرير زيادة بنسبة 9,4%عن سنة 2023، ولم يحدث منذ نهاية الحرب الباردة أن ارتفعت هذه النفقات بمثل هذه القوة خلال عام واحد (4)، فالأمن العالمي استمر بالتدهور والتفاقم السريع بتعبير ” دان سميث” مدير المعهد(5).
  وفي نفس السياق وإلى حدود يناير 2025 حسب نفس المعهد، وصل عدد الرؤوس النووية إلى 12241 (6) تمتلكها تسع دول(7)، ومنهم دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي لا تقر بامتلاكها أسلحة نووية، لكن تملك حسب تقديرات المعهد حوالي 90 رأسا نوويا، وقد هدد بعض وزرائها المتطرفين بضرب غزة بهذا السلاح الفتاك. وكلهم مستمرون في تطوير البرامج النووية وزيادة رؤوسها، وصرح مدير المعهد لوكالة ” فرانس بريس” ما نلحظه هو بداية ارتفاع عدد الرؤوس النووية العاملة، وهناك سباق تسلح نووي على الصعيد التكنولوجي وعلى مستوى الفضاء الجوي والفضاء السيبراني، لأن برمجيات التحكم والتوجيه الخاصة بالأسلحة النووية ستشكل ميدان منافسة”. وستعقد قمة للحلف الأطلسي (الناتو) الذي يعتبر أكبر حلف عسكري في العالم في عاصمة العدالة الدولية (لاهاي) بهولندا أيام 24 ـ 25 يونيو 2025، ومن المتوقع أن ترفع دول التحالف نفقاتها العسكرية من 2% الحالية إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، هاته الزيادة ستكون على حساب الالتزامات الاجتماعية وحياة الرفاه كالصحة والتشغيل والتعليم والبنيات التحتية والبيئة. وحسب مؤشر السلام العالمي، ارتفعت وتيرة العسكرة في 108 من دول العالم سنة 2023، مع تورط 92 دولة في صراعات مسلحة بشكل ما.
  إن البيانات والحقائق السالفة الذكر، والأرقام كما يقال لا تكذب، تؤكد أن النظام الدولي والقوى الكبرى تتجه إلى ضرب كل مبادئ العمل المشترك، والتوافق الدولي، وتجاوز المؤسسات الدولية، والقانون الدولي الإنساني، وأزمة هذا النظام لن تُحَلَّ بسهولة أو بسرعة (8)، ونحن نعيش الآن في عالم تستطيع فيه الدول القوية أن تفعل ما تشاء [..]  ليس الأمر مجرد أن الدول هي من تبدأ هذه الصراعات، بل إنها لا توقفها فالصراعات تستمر بلا هوادة، ولا يؤدي هذا إلى المزيد من الموت والدمار الآن فحسب، بل يفاقم مشاكل المستقبل” (9)، حسب تأكيد ” برونين مادوكس” مديرة معهد ” تشاتام هاوس” (Chatham House) بلندن، ويؤكد الرئيس السابق لوزارة الخارجية البريطانية، وأول مستشار للأمن القومي ” بيتر ريكيتس”: أن الفترة الحالية أكثر إثارة للقلق من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة. نهج القوة [..] المقترن بضعف الأمم المتحدة، حيث لم نشهد هذا المزيج من قبل، حتى أثناء الحرب الباردة كانت الأمور مستقرة نوعا ما بين القوى، والآن سقطت كل الحمايات، فحالة الشرق الأوسط باتت خارجة كليا من أي سيطرة دولية،(10) بالتأكيد هذا ليس صحيحا، والمثير للانتباه أن يصدر عن متخصص و ممارس ومستشار للأمن القومي، فالإشكال عدم تفعيل ميثاق الأمم المتحدة بشكل حازم وصارم، وتدخل فعال في وجه دولة الاحتلال الإسرائيلي الدولة المارقة، والتي يسجل عليها أعلى الانتهاكات وعدم الالتزام بالميثاق إلى درجة تقطيع الميثاق عبر آلة صغيرة على منصة الأمم المتحدة وأمام أنظار مندوبي دول العالم من طرف ممثلها في الأمم المتحدة، على غرار التفعيل الحازم والصارم عندما قام الرئيس العراقي  ” صدام حسين” بغزو دولة الكويت، عبر الحصار والذي أودى بموت أكثر من مليون عراقي، والعقوبات المشددة، والتفتيش المستمر لمؤسسات القوة العراقية، وحظر الطيران في المجال الجوي العراقي.
  هناك حقيقة مؤكدة أن أي دولة في العالم مهما بلغت درجة قوتها أن تواجه لوحدها المجتمع الدولي وبالخصوص إذا توافق وتعاون على انهاء أي بؤرة صراعية في العالم.
  وهنا مربط الفرس كما يقال فلماذا لا يُفَعَّلُ الميثاق ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تهدد السلم والاستقرار الإقليمي والعالمي منذ نشأتها سنة 1948، عبر خوضها لحروب لا متناهية، بحماية ودعم غربي وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث استخدمت حق النقض المخول لها بموجب الميثاق تسعة وثمانين مرة (89) منذ تأسيس الأمم المتحدة حتى أوائل سنة 2024، وكان من بين هذه الفيتوات خمسة وأربعين مرة (45) لوقف القرارات التي تنتقد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكان آخرها القرار الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، ورفع القيود عن المساعدات الإنسانية بتاريخ 04/06/2025، بموافقة 10 أعضاء منتخبين في مجلس الأمن والأربعة الأعضاء الدائمين باستثناء الفيتو الأمريكي الذي يُشَرْعِنُ لسياسة الإبادة المدانة من محكمة العدل الدولية والتجويع والحصار، وبررت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الفيتو اللامعقول بأن مشروع القرار يعرقل الجهود الديبلوماسية للتوصل إلى حل للصراع.
  يؤكد الباحث في العلوم السياسية والناشط والخبير في مجلس الأمن والأمم المتحدة، ورئيس منتدى السياسات العالمية (G.P.F) ـ Global policy Forum)، ابن مدينة نيويورك الأمريكي جيمس أ. بول (James A.Paul) (11): أن الأعضاء الدائمون الآخرون يستخدمون حق النقض أيضا، ولم يكن هذا الاستخدام يوما خال من السموم، أنه سحابة فوق المجلس وتذكير بالكيفية التي يتعامل بها الأعضاء الدائمون، غير المنتخبين، مع القانون الدولي في تجاهل للرأي العام العالمي. ويدرك جميع الإصلاحيين الحقيقة المروعة المتمثلة على أن حق النقض لا يمنع التسوية السلمية للنزاعات فقط، بل يمنع أيضا الإصلاح المؤسسي للمجلس تخضع نفسها لحق النقض” (12).
  يشكل حق النقض العقبة الرئيسية أمام أي إصلاح أو تعديل، فالميثاق ينص في الفصل الثامن عشر المخصص لتعديل الميثاق فوفقا للمادة 108 من هذا الفصل” التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الجمعية العامة وصادق عليها ثلثا أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة”(13)، فالتعديلات لا يمكن تنزيلها وتطبيقها على أرض الواقع بدون موافقة أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وعلى الرغم من تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة أي أكثر من 124 دولة، وحتى إذا وصلت نتيجة التصويت إلى الأغلبية المطلقة في الجمعية العامة لا يمكن تمرير التعديل إلا بموافقة الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، وقد اعتمدت الجمعية العامة أول التعديلات على الميثاق بعد مرور ثمان عشرة سنة من عمر الميثاق، بالضبط في 17 ديسمبر/كانون الأول سنة 1963، بحيث أدخلت التعديلات على المواد 23 و 27 و 61 من الميثاق، ويقضي تعديل المادة 23 بزيادة أعضاء مجلس الأمن من أحد عشر عضوا إلى خمسة عشر عضوا.(14)
  أمام هذا الواقع المعقد والغير القابل للإصلاح والتعديل إلا بموافقة جميع الأعضاء الدائمين نستحضر بإلحاح سؤال ما العمل؟ الذي يفرض نفسه في الحاضر، للوصول إلى مستقبل تنعم فيه البشرية والأجيال المقبلة بالسلام والاستقرار المستدام، فهاجس كل الإصلاحيين من ممثلي الدول والمندوبين، والمنظمات الدولية هو كيفية إلغاء وكسر العصا التي تمنع عجلة إصلاح مؤسسات الحكامة الدولية من التقدم إلى الأمام.
  بدأت جهود إصلاح الأمم المتحدة بكثير من الأمل والرؤية المستقبلية، بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، فتحمست مجموعة من وفود الدول بدعم ومشاركة من منظمات المجتمع المدني العالمية، والأمناء العامين للأمم المتحدة، هاته الجهود تمثلت في عدة برامج وأفكار ومبادرات للإصلاح، وهذا يعني أن هناك تراكم لا يمكن تجاوزه والقفز عليه، فكل مبادرة مطروحة اليوم، يجب أن تنطلق من هذا التراكم، وتقييمه تقييما علميا، وخلاصات هذا التقييم تشكل أرضية وبرنامج مستقبلي لكيفية بناء مؤسسات للحكامة الدولية حازمة وفاعلة وغير قابلة للتجاوز أو التهميش اعتمادا على الخطوات المدروسة والعملية التالية:

تشكيل لجنة أممية تحت اسم ” اللجنة الأممية لتعديل ميثاق الأمم المتحدة ” عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تتشكل اللجنة من تمثيلية القارات الخمس.

تعمل اللجنة على تشكيل ” الهيئة الدولية للفقهاء والخبراء القانونيين” من أجل صياغة ميثاق ديمقراطي بآليات فاعلة وحازمة ونصوص قانونية واضحة لا تقبل الاجتهاد والتأويل.

بعد صياغة الميثاق عن “الهيئة الدولية للفقهاء والخبراء القانونيين” يعرض على الجمعية العامة للتصويت بأغلبية 75%.

تقوم اللجنة بمراسلة الأعضاء الدائمين للالتحاق بالمبادرة وفي حالة الرفض تواصل عملها بخطوات مدروسة، وعبر التفويض والدعم اللوجيستي والمالي من الدول.

إذا لم تلتحق الولايات المتحدة بالمبادرة ينقل مقر الأمم المتحدة الجديد إلى وسط الكرة الأرضية وبالضبط إلى دولة تحقق أعلى المعدلات في مؤشر الديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان والسلام والحفاظ على البيئة.

تحدد المساهمات المالية وفقا لعدد سكان كل دولة، على اعتبار أن هذا الميثاق هو ميثاق للشعوب وبيت للمواطنة العالمية.

  في هذه السنة نخلد الذكرى الثمانين لميثاق الأمم المتحدة الذي تم التوقيع عليه في 26 يونيو/ حزيران من سنة 1945، بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، ودخل حيز التنفيذ من نفس السنة في 24 أكتوبر/ تشرين الأول، واليوم نحن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وأمام التحولات السريعة التي يشهدها العالم بفعل التطور التكنولوجي والعصر الرقمي هل يمكن التعامل مع القضايا الإنسانية الملحة بهياكل ومؤسسات القرن العشرين؟ وبظهور أجيال جديدة مختلفة تماما عن الأجيال السابقة هل يمكن التعامل بنفس العقليات ونمط التفكير الذي هيمن على العقود السابقة؟ ونعتقد وبدون شك أن الجيل الذي يدير العالم ويحكمه ويخلق الحروب والصراعات العبثية اليوم من مخلفات الحرب الباردة، ولا علاقة له بالمصالح لأن هاته الأخيرة لاستمرارها ودوامها تتطلب الأمن والاستقرار.
  إن الأسئلة التي طرحناها، ومبادرتنا العملية المدروسة والدقيقة من أجل أن ” ننقذ مرة ثانية ” الأجيال المقبلة من ويلات الحرب [..] ونعمل بجد وحزم لكيلا نصل إلى المرة الثالثة، وندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية حسب ديباجة ميثاق الأمم المتحدة”… (15)
المصادر والمراجع:

الشاعر العراقي ” مظفر النواب” من قصيدة ” يا قاتلتي”

–Sipri yearbook 2025,world military spending, 2024, p :06(الملخص)

www.sipri.org

معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري).

The stokholm International peace Research Institute (sipri)
هذا المعهد أنشأه البرلمان السويدي سنة 1966، ويصدر تقريره السنوي حول الانفاق العسكري حول العالم اعتمادا على المصادر المفتوحة، ويوفر للباحثين والساسة ووسائل الاعلام البيانات والمعلومات والتحليلات المتعلقة بالشؤون العسكرية.

نينا فيركهويزر، تقرير معهد سيبري: رقم قياسي جديد في الانفاق العسكري العالمي بتاريخ: 28/ 04/ 2025

www.dwarabic.com

دان سميث، الاستقرار الدولي والأمن الإنساني في عام 2023، الكتاب السنوي 2024، التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي (ملخص). ص:03

www.sipri.org

– Nuclear risks grow as new arms race looms , 16june 2025 .org

الدول النووية التسعة هي كالتالي: الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، فرنسا، المملكة المتحدة، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، دولة الاحتلال الإسرائيلي.

دان سميث، نفس المصدر، ص: 03

سام بلومفيلد، نحن في عالم جديد لا يهتم فيه الأقوياء بالقواعد، ويتصرف نتنياهو بحس الإفلات من العقاب، الموقع الإلكتروني للقدس العربي، بتاريخ: 15/06/2025

www.alquds.co.UK

سام بلومفيلد، نفس المرجع

Archive-globalpolicy.org

جيمس.أ.بول ( A.Paul) ، في الثعالب والدجاج الاوليغارشية والقوة العالمية في مجلس الأمن

Of Foxes and Chikens, oligarchy and global in the UN Security Council.

ترجمة: ممدوح القدسي ـ مراجعة وتقديم: هيثم مناع، المعهد الاسكندنافي لحقوق الانسان / مؤسسة هيثم مناع ومنشورات زمكان، الطبعة الإلكترونية شباط/ فبراير 2024، جنيف ـ بيروت، ص: 27

ميثاق الأمم المتحدة باللغة العربية، الفصل الخاص بتعديل الميثاق

www.UN.org

مذكرة تمهيدية، ميثاق الأمم المتحدة، الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ص: 01

www.annhri.org
(15) ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، نفس المصدر، ص:01

كاتب وباحث مغربي
تطوان

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: