
نجاح محمد علي: الاختراق: لماذا تستهدف وسائل الإعلام إيران بالذات؟
نجاح محمد علي
في الفضاء المعقد والمتعدد الأبعاد للسياسة والأمن العالمي، تُستخدم كلمة “الاختراق ” غالبًا بشكل انتقائي وهادف، خاصةً عندما يتعلق الأمر بإيران. تُقدّم وسائل الإعلام الغربية و معظم الدعاية الإعلامية العربية والمحللون التابعون لها صورة مشوهة للواقع تُمكن من إعاقة فهم الحقيقة بشكل كامل لدى الجمهور.
يستعرض هذا المقال جذور هذا النهج، الأدلة على نجاحات إيران ومحيط المقاومة في مجال الأمن والاستخبارات، ويقدّم توصيات استراتيجية، مع التأكيد على ضرورة تعزيز مكانة إيران وحلفائها في مواجهة المؤامرات الصهيونية والغربية
الاختراق: سرد انتقائي يخدم الهيمنة الغربية والصهيونية
الاختراق والعمليات التجسسية هي ظاهرة عالمية تحدث في كل الدول، بما فيها القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وحتى النظام الصهيوني. مع ذلك، تميل وسائل الإعلام الغربية وحلفاؤها في الدول العربية إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة بشكل أحادي وتركيز خاص على إيران.
على سبيل المثال، في عام 2024، لم تحظَ اعتقالات عملاء يهود لصالح إيران داخل جهاز الأمن الداخلي للنظام الصهيوني (شاباك) بتغطية واسعة في الإعلام الدولي، وتجاوزت الموضوع بهدوء دون ضجة كبيرة. هذا الصمت الانتقائي تكرر في حالات مشابهة اعترف بها الكيان الصهيوني قبل وبعد عدوانه على إيران، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا تُعرّف إيران فقط كفاعل رئيسي للاختراق ؟
هذا النهج الإعلامي هو جزء من استراتيجية كبرى لإدارة السرد وتشكيل الرأي العام. وسائل الإعلام التي تخضع لتأثير وجهات النظر الغربية والصهيونية تصور إيران كدولة “ضعيفة” و”قابلة للاختراق” وتحت “ضغط”، في حين أن إيران، على الرغم من أكثر من 45 سنة من العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، استطاعت تعزيز منظومتها الأمنية والدفاعية وأصبحت من أكثر اللاعبين تأثيرًا إقليميًا وعالميًا.
جذور هذا النهج: التركيز الإعلامي على إيران ينبع من استراتيجية الغرب والنظام الصهيوني لإضعاف إيران باعتبارها العمود الفقري لمحور المقاومة. تدعم إيران مجموعات مثل حزب الله لبنان، حماس، الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وأنصار الله اليمن، مما يجعلها العقبة الرئيسية أمام الهيمنة الصهيونية-الأمريكية في المنطقة. لذلك تحاول وسائل الإعلام الغربية تضخيم تهديد إيران لتقليل الدعم الشعبي لها وعزلها.
أمثلة مماثلة: بالمقابل، تحظى عمليات التجسس ضد القوى الغربية أو النظام الصهيوني، مثل كشف الوثائق السرية بواسطة إدوارد سنودن في الولايات المتحدة (2013) أو نفوذ الصين داخل الشبكات الاستخباراتية الغربية، باهتمام أقل. هذا التباين يعكس وجود أجندة سياسية لتشويه صورة إيران.
نجاحات إيران الاستخباراتية: من إدارة الأزمات إلى الردود المضادة
أحد أبرز الأمثلة في المنافسة الاستخباراتية كان الزعم بسرقة وثائق حساسة من قبل جهاز الاستخبارات الصهيوني (الموساد) عام 2018. هذه الوثائق التي ادعى الكيان الصهيوني أنها (الأرشيف)تضمنت معلومات عن برامج إيران الدفاعية والنووية رغم أن مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية حينها قلل من شأنها بل وسخر منها ، عُرضت في البداية كضربة قاسية لطهران. لكن إيران أظهرت ذكاء وسرعة في التعامل مع القصة، حيث استطاعت ليس فقط إدارتها، بل الاستفادة منها لتعزيز أنظمتها الأمنية.
إدارة مزاعم سرقة الأرشيف : بعد تلك المزاعم، أعادت إيران مراجعة بروتوكولات الأمن وكشفت وأحبطت الشبكات التجسسية الداخلية. إعدام إسماعيل فكري، العميل المرتبط بالموساد عام 2025، دليل على قدرة الأجهزة الأمنية الإيرانية في مراقبة ومواجهة التهديدات. هذا الإجراء أرسل رسالة حازمة لأعداء إيران بأن الخيانة والتجسس لن يمرّا بلا عقاب.
النفوذ المضاد لإيران: إيران لم تكتف بالدفاع، بل حققت نجاحات في عمليات تجسس هجومية أيضًا. الوثائق التي كشفتها إيران في الأيام الأخيرة، والتي تضمنت معلومات عن عمليات سرية للموساد ضد مصر والأردن، تُظهر قوة إيران الاستخباراتية في التغلغل في قلب العدو ، و تؤكد هذه الوثائق أن النظام الصهيوني يتآمر حتى ضد دول وقّعت معها معاهدات سلام مثل مصر والأردن.
العمليات السيبرانية: طورت إيران قدراتها السيبرانية، وشنّت هجمات ناجحة على بنى تحتية تابعة للنظام الصهيوني. وفقًا لتقارير هآرتس (2023)، الهجمات السيبرانية المنسوبة لإيران على شبكات الكهرباء والأنظمة العسكرية وضعت النظام الصهيوني في موقف دفاعي. هذه النجاحات تثبت قدرة إيران على المنافسة مع أعداء متقدمين تكنولوجيًا.
كشف المؤامرات الصهيونية: استطاعت إيران كشف وثائق سرية تتعلق بخطط النظام الصهيوني لتفجيرات في أماكن عامة داخل إيران مثل المترو والمساجد والحدائق، إضافة إلى اغتيالات لشخصيات بارزة، من بينهم مشاهير غير سياسيين. هذه الإجراءات التي تم الإبلاغ عنها في 2024 و2025 تعكس يقظة الأمن الإيراني.
القوة العسكرية والاستراتيجية لإيران ومحور المقاومة
اعتمدت إيران على قوتها العسكرية ودعمها لمحور المقاومة لبناء شبكة معقدة وواسعة من القوة العسكرية والأمنية التي رسّخت مكانتها كمهندس استراتيجي في المنطقة. هذه الشبكة أوقعت الأعداء في حالة من الارتباك وردود الأفعال العصبية.
الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة: الهجمات الصاروخية الدقيقة مثل عملية “الوعد الصادق 1و 2 ” عام 2024 التي جاءت ردًا على هجمات النظام الصهيوني على قنصلية إيران في دمشق، أظهرت قدرة إيران على الردع. الاستخدام الذكي للطائرات المسيّرة المتقدمة جعل النظام الصهيوني عرضة لتهديدات جديدة.
دعم محور المقاومة: عبر دعم مستمر لفصائل المقاومة مثل حزب الله لبنان، حماس، الجهاد الإسلامي، استطاعت إيران خلق جبهة موحدة ضد النظام الصهيوني. على سبيل المثال، عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس في أكتوبر 2023ر، كانت ضربة استراتيجية للنظام الصهيوني.
تعزيز الجبهة الداخلية: نظمت إيران انتخابات محلية، برلمانية، رئاسية، وانتخابات مجلس الخبراء، ما يدل على وجود نظام ديمقراطي مؤسسي يشهد مشاركة شعبية واسعة. هذا الاستقرار السياسي يجعل إيران مقاومة للمؤامرات الخارجية، مثل محاولات النظام الصهيوني إثارة الفتنة الداخلية.
إنجازات محور المقاومة الإقليمية:
حزب الله لبنان: في 2024، شل حزب الله النظام الصهيوني على الحدود الشمالية عبر هجماته الصاروخية والطائرات المسيّرة. تقرير هآرتس (2024) يشير إلى استمرار خوف النظام الصهيوني من القدرات الصاروخية والاستخباراتية لحزب الله.
حماس والجهاد الإسلامي: في غزة، حافظت حماس والجهاد الإسلامي بدعم إيران على المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني. عملية “طوفان الأقصى” نموذج لقوة هذه الجماعات.
أنصار الله اليمن: استهدف أنصار الله السفن المرتبطة بالنظام الصهيوني في البحر الأحمر، مما وضع الاقتصاد الصهيوني تحت ضغط. هذه الهجمات تعكس العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة.
وحدة الساحات: مفهوم “وحدة الساحات” يشير إلى التنسيق بين فصائل المقاومة في لبنان، فلسطين، اليمن، العراق، وسوريا قبل رحيل بشار الأسد . هذا التنسيق وضع النظام الصهيوني في مأزق.
جذور العداء الأيديولوجي للنظام الصهيوني تجاه إيران
العداء بين النظام الصهيوني وإيران لا يقتصر على الأسباب الجيوسياسية، بل يعود إلى أيديولوجية الصهيونية الدينية. النظام الصهيوني، لا سيما تحت قيادة شخصيات مثل نتنياهو، بن غفير، وسموتريتش، يستند إلى تفسيرات متعصبة للنصوص الدينية، مثل نبوءات إشعياء وقراءات تلمودية، التي تروّج لفكرة “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات. وإيران، كعقبة رئيسية أمام هذا المشروع الاستعماري، أصبحت الهدف الأساسي لهذا النظام.
تصريحات نتنياهو: في 2015، أشار نتنياهو بشكل غير مباشر إلى باكستان كـ “الهدف التالي” بعد إيران، ما يعكس استراتيجية النظام الصهيوني لاستهداف الدول الإسلامية القوية. هذه التصريحات، رغم عدم تأكيدها رسميًا، كانت موضوع نقاش في الأوساط السياسية والإعلامية.
الوثائق التي كشفتها إيران: الوثائق التي حصلت عليها إيران من داخل النظام الصهيوني تظهر خططًا لزعزعة استقرار مصر والأردن حتى بعد توقيع اتفاقيات السلام. تؤكد هذه الوثائق أن النظام الصهيوني لا يملك أي التزام أخلاقي تجاه حلفائه، ويريد الهيمنة فقط.
دور اللوبي الصهيوني في الغرب: تلعب اللوبيات الصهيونية، مثل أيباك في الولايات المتحدة، دورًا رئيسيًا في تعزيز سرد “إيران تهديد عالمي”. هذه اللوبيات، عبر نفوذها في الإعلام والسياسات الغربية، تحاول تصوير إيران كعدو مشترك.
توصيات لإيران ومحور المقاومة
لمواجهة هذه الحرب الإعلامية، الاستخباراتية، والعسكرية، يجب على إيران وحلفائها في محور المقاومة اتباع الاستراتيجيات التالية:
تعزيز الجبهة الإعلامية:
إنشاء شبكة إعلامية قوية ومتعددة اللغات لنقل سرديات محور المقاومة للعالم، مع كشف جرائم النظام الصهيوني ومؤامراته ضد دول المنطقة، بما في ذلك إيران ومصر والأردن.
التعاون مع وسائل إعلام مستقلة لنشر تقارير تتحدى السرديات الصهيونية.
تعزيز اليقظة الأمنية:
مواصلة تقوية الأجهزة الأمنية الإيرانية لكشف شبكات التجسس وإحباط العمليات الصهيونية، مع التركيز على حماية المواقع الحيوية مثل المترو، المساجد، الحدائق، والمناطق السياحية.
تطوير أنظمة الدفاع السيبراني لمواجهة الهجمات الصهيونية وتنفيذ عمليات سيبرانية هجومية ضد أهداف العدو.
توسيع التحالفات الإقليمية:
تعزيز تحالفات إيران مع دول مثل روسيا والصين، وتعميق التعاون مع فصائل المقاومة في لبنان، فلسطين، واليمن. هذه التحالفات ستكون درعًا ضد المؤامرات الصهيونية-الغربية.
التوعية الشعبية:
إطلاق حملات توعية داخل إيران لتثقيف المواطنين عن مخاطر التدخلات الصهيونية، بما في ذلك محاولات التفجيرات واغتيال الشخصيات البارزة. هذه الحملات تشجع الناس على الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة.
الاستثمار في التكنولوجيا:
الاستمرار في تطوير قدرات إيران في المجالات السيبرانية والصاروخية والطائرات المسيّرة للحفاظ على التفوق الاستراتيجي. هذه التقنيات أثبتت فاعليتها في مواجهة النظام الصهيوني وحلفائه.
دعم القضية الفلسطينية:
مواصلة دعم إيران للقضية الفلسطينية كمركز محور المقاومة. تحرير القدس هو الهدف النهائي ويعزز شرعية إيران كزعيم هذا المحور.
أبحاث مقترحة لتعزيز مكانة إيران ومحور المقاومة
لتقوية سرد إيران ومحور المقاومة، يُقترح إجراء بحوث معمقة في المجالات التالية:
تحليل عمليات الموساد في المنطقة: دراسة أساليب التجسس والاغتيال للموساد في إيران ولبنان وسوريا لتطوير استراتيجيات مضادة.
مراقبة الهجمات الإعلامية الصهيونية: تحليل محتوى وسائل إعلام مثل هآرتس وجيروزاليم بوست لتحديد السرديات المتحيزة ضد إيران ومحور المقاومة.
توثيق جرائم النظام الصهيوني: إنشاء قاعدة بيانات دولية لتوثيق جرائم النظام الصهيوني، مثل التفجيرات والاغتيالات، لتقديمها للمنظمات الدولية كالأمم المتحدة.
دراسة تأثير العقوبات الاقتصادية: تحليل أثر العقوبات الغربية على الشعب الإيراني لكشف التناقض بين ادعاءات الغرب بدعم الحرية وسياساته القمعية.
خاتمة: إيران، عمود المقاومة في مواجهة المؤامرات الصهيونية
إيران اسم في عناوين الأخبار، و هي واقع حي، ديناميكي، ومعقد يلعب دورًا محوريًا في المعادلات الإقليمية والعالمية. رغم الهجمات الإعلامية، التدخلات العسكرية، وعمليات التجسس التي يقودها النظام الصهيوني والغرب، تمكنت إيران بصمودها وذكائها وقوتها العسكرية والاستخباراتية من ترسيخ مكانتها كقائد لمحور المقاومة.
النظام الصهيوني، بتأريخ استعماري استيطاني وسياسات عدوانية، يسعى من خلال مؤامرات مثل التفجيرات والاغتيالات والحروب الإعلامية إلى تدمير إيران ومحور المقاومة. لكن إيران بتأريخها المجيد في مقاومة الاستعمار قادرة على إحباط هذه المؤامرات. يجب على المواطن الإيراني أن يكون واعيًا لهذه المخاطر ويشارك في حماية الجبهة الداخلية.
التوصية النهائية: يجب على إيران ومحور المقاومة الاستمرار بثبات ويقظة، مع التركيز على تعزيز الوحدة الداخلية، تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية، وكشف الروايات الكاذبة التي تنشرها وسائل الإعلام الصهيونية-الغربية. بهذا النهج، ستظل إيران عمود المقاومة ومرشدة الأمة نحو تحرير القدس وإنهاء الظلم الصهيوني في المنطقة.
آمين.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: