اضطرابات الشرق الأوسط تأتي في توقيت سىء للاقتصاد العالمي

اضطرابات الشرق الأوسط تأتي في توقيت سىء للاقتصاد العالمي

بسبب النفوذ الأمريكي طويل الأمد أصبحت معظم دول العالم “مثقلة” بأصول دولارية 

تشكل الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران صدمة سلبية للاقتصاد العالمي في وقت يتسم أصلاً بالهشاشة، إذ تعزز المخاطر المرتبطة بالنمو والتضخم، في ظل تضاؤل هامش المناورة في أدوات السياسة المالية والنقدية المتاحة للاستجابة.

وتعتمد حدة التأثيرات السلبية المحتملة على مدى واستمرار النزاع بين إسرائيل وإيران، والتداعيات الناجمة عنه، لكن ومع ارتفاع مستويات عدم اليقين بالفعل، جاءت استجابة الأسواق المالية سلبية.

فقد ارتفعت أسعار النفط، ويترقب المستثمرون رد فعل تحالف “أوبك+” وسط اتجاه صعودي مستمر للأسعار خلال الأسابيع الأخيرة، ما يزيد من حدة رياح الركود التضخمي التي تعصف بالاقتصاد العالمي.

في الوقت نفسه، تراجعت الأسواق المالية، إذ عكست الأسعار حالة القلق المتزايد بشأن النشاط الاقتصادي، مع تصاعد خطر تردد المستهلكين والمنتجين في اتخاذ قراراتهم، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي ، توقع البنك الدولي تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى %2.3 في عام 2025، أي أقل بنحو نصف نقطة مئوية من التوقعات التي صدرت في بداية العام.

ورغم أن البنك لم يتوقع ركوداً عالمياً، إلا أنه حذر من أنه إذا تحققت هذه التوقعات خلال العامين المقبلين، فسيكون متوسط النمو العالمي في السنوات السبع الأولى من عقد 2020 الأبطأ منذ ستينيات القرن الماضي.

وتستند هذه التقديرات إلى سعر نفط متوسط يبلغ 66 دولاراً للبرميل في 2025 و61 دولاراً في العام التالي، في سياق انخفاض أوسع في أسعار السلع الأساسية.

وسيكون على البنوك المركزية أن تكثف يقظتها في مواجهة الضغوط التضخمية التي لم يتم احتواؤها بعد بثقة، وهذا من شأنه أن يقلل احتمالية خفض أسعار الفائدة بشكل مبكر أو كبير، كرد فعل على التباطؤ الاقتصادي.

أما على الصعيد المالي، فإن أي تدخل عبر الموازنة سيأتي في ظل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، وحساسية المستثمرين المفرطة تجاه العجز والدين العام، كما أن الميزانيات قد تواجه ضغوطاً إضافية بفعل تراجع عائدات الضرائب وزيادة الطلب على الإنفاق.

تزداد خطورة هذه التداعيات الاقتصادية والمالية المحتملة في حالة المملكة المتحدة على وجه الخصوص، إذ أظهر “مراجعة الإنفاق” لهذا الأسبوع أهمية النمو الاقتصادي، إلى جانب تنبيه واضح بأن الأسر التي تعاني من ضغوط حالياً، قد تواجه احتمال فرض ضرائب أكبر في موازنة أكتوبر.

وهو ما قد يبدد أثر أي تخفيضات مستقبلية محتملة في أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا، التي أصبحت بدورها أكثر غموضاً الآن، كما أن الاقتصاد العالمي معرض أيضاً لتأثيرات غير مباشرة سلبية.

فمع مرور الوقت، قد يُنظر إلى هذه الفوضى الجديدة في الشرق الأوسط باعتبارها حلقة أخرى في مسلسل تآكل النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، مما يعزز قوى التفكك الاقتصادي.

ومن شأن ذلك أن يدفع الدول إلى فقدان الثقة في آليات الاستقرار الجماعي، واتخاذ خطوات لضمان قدر أكبر من الصمود الذاتي داخل حدودها الوطنية، وهو ما سيقوض في نهاية المطاف كفاءة الاقتصاد العالمي.

من اللافت أيضاً أن رد فعل أبرز معيارين ماليين عالميين، وهما سندات الخزانة الأمريكية والدولار، كان محدوداً نسبياً في البداية تجاه الهجوم الإسرائيلي.

فقد شهدا بعض الارتفاع، لكن من دون تسجيل المكاسب الكبيرة التي درجت الأسواق على رؤيتها في فترات الأزمات (“مكاسب الملاذ الآمن”)، وهذه النقطة لا تقل أهمية على المدى البعيد.

فبسبب النفوذ الأمريكي طويل الأمد على الاقتصاد العالمي، وحالة التميز الاقتصادي التي دامت سنوات، أصبحت معظم دول العالم “مثقلة” بأصول دولارية وأخرى أمريكية عموماً، وكلما تراجع دور الولايات المتحدة في قلب النظام العالمي، زادت الحوافز لدى الدول لتخفيف هذا الاعتماد المفرط.

بغض النظر عن الزاوية التي يُنظر منها إلى التأثيرات الاقتصادية والمالية، فإن هذا التطور الجديد في الشرق الأوسط يمثل أنباء سيئة في توقيت سئ، وهو تذكير بأن على الاقتصادات والأسواق التعامل مع مجموعة متزايدة من العوامل السياسية والجيوسياسية غير المستقرة.

كما أنه يشجع على تحول تدريجي من البنية الاقتصادية القائمة إلى واقع يتسم بمزيد من التشرذم ومخاطر أعلى لعدم الاستقرار المالي.