خالد سعيد نزال: الحوثيون يدخلون خط المواجهة: قراءة استراتيجية في إعادة تشكيل معادلات الصراع في الشرق الأوسط
خالد سعيد نزال
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، شهدت خريطة الصراع في الشرق الأوسط تحولات استراتيجية غير مسبوقة. من أبرز هذه التحولات دخول جماعة الحوثي اليمنية – المعروفة رسميًا باسم أنصار الله – إلى خط المواجهة المباشر مع إسرائيل وبجانب حزب الله اللبناني . في هذا المقال، نقف على دوافع الحوثيين، منافعهم، تداعيات تدخلهم، الموقف الأمريكي، وانكشاف إسرائيل إقليميًا، وما أحدثه ذلك من تحولات جذرية في قواعد الاشتباك
أولًا: الدوافع الحوثية للدخول في المواجهة
الأيديولوجيا والمحور
ينتمي الحوثيون إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران، ويشكل موقفهم المناهض لإسرائيل جزءًا من هويتهم السياسية والدينية
التضامن مع غزة
رأت الجماعة في دعمها للمقاومة الفلسطينية تجسيدًا لخطابها القائم على مناصرة المظلومين، ما عزز شرعيتها محليًا وإقليميًا
تعزيز أوراق التفاوض
يسعى الحوثيون لتكريس أنفسهم كلاعب إقليمي فاعل في ظل مفاوضاتهم غير المعلنة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن هدنة في اليمن
كسر العزلة السياسية
الدخول في صراع مع إسرائيل يمنح الجماعة مكانة رمزية وسياسية تتجاوز الساحة اليمنية
ثانيًا: المنافع السياسية والعسكرية
ترسيخ المكانة الإقليمية
ساهمت عمليات الحوثيين ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة في تعزيز حضورهم كلاعب إقليمي له قدرة على التأثير
كسب شعبية داخلية
مثلت العمليات ضد إسرائيل وسيلة للحشد الشعبي في الداخل اليمني، وتأكيد مشروعية “القيادة الثورية”
إعادة تموضع ضمن محور المقاومة
أعاد تدخل الحوثيين تشكيل معادلة التحالفات الذي يضم إيران، حزب الله، الفصائل العراقية، والمقاومة في غزة
ثالثًا: التداعيات على المنطقة ومحور المقاومة
إيران*
رحبت طهران بشكل غير مباشر بهذا التورط، كونه يشكل ضغطًا مضاعفًا
على إسرائيل دون أن تدخل هي في مواجهة مباشرة
*حزب الله
استفاد من تشتيت الجبهة الإسرائيلية، ما أتاح له تصعيد عملياته في الجبهة الشمالية بشكل أوسع
*العراق وسوريا
تم تفعيل منصات إطلاق صواريخ من الأراضي العراقية والسورية،
ما يوحي بتنسيق ميداني غير مسبوق بين فصائل المحور
*المقاومة في غزة
شكلت الهجمات الحوثية غطاءً استراتيجيًا وفروقا وفرصًا للمقاومة الفلسطينية لإعادة التمركز والمناورة
رابعًا: الانكشاف الإسرائيلي
*تعدد الجبهات
تجد إسرائيل نفسها مضطرة لتقسيم قدراتها العسكرية والدفاعية على أكثر من جبهة الشمال (حزب الله)، الجنوب (غزة)، والبحر الأحمر (الحوثيون)
*قصور القبة الحديدية
فشلت المنظومات الدفاعية الإسرائيلية في اعتراض كل التهديدات القادمة من الجنوب، ما فضح هشاشة دفاعاتها البعيدة المدى
خامسًا: الموقف الأمريكي والهدنة مع الحوثيين
بحسب تقارير صحفية منشورة في نيويورك تايمز وواشنطن بوست (نوفمبر وديسمبر 2024)، دخلت واشنطن في مفاوضات غير مباشرة مع الحوثيين عبر سلطنة عمان. هذه المفاوضات أدت إلى تفاهم ضمني يقضي بعدم استهداف القوات الأمريكية مباشرة مقابل عدم قصف مكثف للمواقع الحوثية
*تصريحات الإدارة الأمريكية
نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية سابقًا، صرح في ديسمبر 2024 أن واشنطن “لا تسعى لمواجهة مع الحوثيين لكنها ستدافع عن مصالحها في البحر الأحمر”
مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أشار إلى أن “التركيز هو منع التصعيد والحفاظ على خطوط الإمداد الدولية”
ما ترسخ على الأرض
لم تُشن ضربات أمريكية مكثفة على صنعاء أو صعدة منذ يناير 2025
الحوثيون استمروا في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل دون التعرض بشكل مباشر للقطع البحرية الأمريكية
سادسًا: تغير قواعد الاشتباك
من صراع محلي إلى صراع إقليمي
انتقل الحوثيون من مجرد قوة متمركزة في اليمن إلى فاعل إقليمي قادر على تهديد أمن الملاحة الدولية وإسرائيل
الردع المتبادل
أصبح لدى الحوثيين القدرة على فرض معادلة ردع جديدة على إسرائيل وحلفائها
توزيع الضغط
باتت إسرائيل مطالبة بالاستجابة لتحديات متعددة في وقت واحد، ما يضعف قدرتها على الحسم
خاتمة
يمثل دخول الحوثيين إلى خط المواجهة مع إسرائيل تحولًا نوعيًا في طبيعة الصراع بالشرق الأوسط. إنه إعلان ضمني بأن معركة غزة لم تعد محصورة بين فصائل فلسطينية وإسرائيل، بل دخلت مرحلة “وحدة الجبهات” تحت مظلة محور المقاومة.
هذا الواقع الجديد سيعيد تشكيل المواقف الإقليمية والدولية، ويضع واشنطن وتل أبيب أمام حسابات جديدة ومعقدة في مقاربة الصراع
المصادر:
New York Times, Dec 2024, “Backchannel Talks Between US and Houthis”
Washington Post, Nov 2024, “Houthi Threats in the Red Sea Escalate”
Al Mayadeen, Jan 2025, “Axis of Resistance Coordinates Multi-Front Strategy”
Haaretz, Feb 2025, “Israel’s Southern Defense Gaps Exposed”
الجزيرة نت، مارس 2025، “الحوثيون: من صنعاء إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب”
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم:
