
أدان زعيم حركة «طالبان» الأعلى، هبة الله آخوندزاده، السبت، قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حظر دخول الأفغان بلاده، واصفاً الولايات المتحدة بأنها «ظالمة»، وذلك في وقتٍ يسعى فيه حكام أفغانستان الحاليون إلى تعزيز علاقاتهم بالمجتمع الدولي.
وجاءت تصريحات الملا آخوندزاده في أول رد علني من «طالبان» منذ أعلنت إدارة ترمب هذا الأسبوع حظراً على مواطني 12 دولة، من بينها أفغانستان، من دخول الولايات المتحدة، وفق ما نقله موقع «HuffPost» الإخباري الأميركي عن شبكة «News.Az» الأذربيجانية.
وشمل الأمر التنفيذي، الذي أصدره ترمب، في الغالب الأفغان الذين يأملون في الاستقرار بشكل دائم بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى مَن يرغبون في السفر المؤقت لأغراض مثل الدراسة الجامعية.
ومنذ عودة «طالبان» إلى الحكم في كابل عام 2021، فرضت الحركة إجراءات صارمة، ومنعت النساء من ارتياد الأماكن العامة وتعليم الفتيات بعد الصف السادس. وعلى الرغم من إخفاقها حتى الآن في الحصول على اعتراف رسمي بأنها حكومة شرعية، فإن «طالبان» تقيم علاقات دبلوماسية بدول عدة، بما فيها الصين وروسيا.
حظر السفر قد يغلق الباب أمام أسرة أفغانية كانت تريد جلب ابنة أخت الزوجة إلى أميركا لحياة أفضل، وفق تقرير من وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية السبت.
من بين الوافدين الأفغان إلى الولايات المتحدة، كانت أسرة محمد شرف الدين وزوجته وطفلهما الصغير، التي تَحتّم عليها السير في بعض الأحيان أكثر من 36 ساعة متواصلة عبر ممرات جبلية خلال فرارهم من أفغانستان، لينتهي بهم المطاف، بعد أقل من عقد، متحدثين عن رحلتهم الشاقة وهم جالسون على أريكة مريحة في منزلهم الأميركي المكون من 3 غرف نوم في ضاحية هادئة.
ولطالما حلم هو وزوجته بإحضار ابنة أختها إلى الولايات المتحدة لتشاركهم الشعور بالراحة والاستقرار، فربما يمكنها أن تدرس لتصبح طبيبة، وتقرر مصيرها بنفسها، لكن هذا الحلم سيتلاشى، الاثنين، مع دخول قرار حظر دخول مواطني 12 دولة، من بينها أفغانستان، إلى الولايات المتحدة حيز التنفيذ.
وفي هذا السياق، قال محمد شرف الدين: «لقد كان الأمر صادماً بالنسبة إلينا حين سمعنا بالقرار؛ خصوصاً الآن، بالنسبة إلى النساء اللاتي يتضررن أكبر من غيرهن من الحكومة الجديدة». وأضاف: «لم نفكر مطلقاً في أن يُفرض حظر سفر كهذا».
وكان ترمب قد وقَّع الأمر التنفيذي يوم الأربعاء، وهو مشابه لحظر سابق صدر خلال فترة ولايته الأولى، لكنه يشمل مزيداً من الدول، فبالإضافة إلى أفغانستان، يشمل الحظر: ميانمار، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن.
وقال الرئيس الأميركي إن الزوار الذين يتجاوزون مدة تأشيراتهم، مثل الرجل المتهم في هجوم أصاب العشرات في بولدر بولاية كولورادو مؤخراً، يشكلون خطراً على الولايات المتحدة.
يُذكر أن المُشتبه فيه مصري الجنسية، لكن القاهرة ليست مُدرجة في قرار الحظر.
وأوضح ترمب أن الدول التي شملها الحظر تعاني من ضعف في إجراءات الفحص الأمني لمواطنيها، وغالباً ما ترفض استقبالهم مرة أخرى، كما أن لديها نسبة عالية ممن يبقون في الولايات المتحدة بعد انتهاء مدة التأشيرة.
ومع ذلك، يستثني الحظر بعض الأفغان الحاصلين على «تأشيرات الهجرة الخاصة (SIV)»، وهم غالباً من الذين تعاونوا عن قرب مع الحكومة الأميركية خلال الحرب التي استمرت عقدين في بلادهم.
وكانت أفغانستان من بين كبرى الدول المُصدرة للاجئين الذين أُعيد توطينهم في الولايات المتحدة، حيث استقبلت الأخيرة نحو 14 ألف لاجئ أفغاني خلال 12 شهراً حتى سبتمبر (أيلول) 2024، إلا إن ترمب علّق «برنامج إعادة توطين اللاجئين» في أول يوم له من ولايته الثانية.
وبشأن تفاصيل الطريق التي سلكها شرف الدين مع زوجته وابنه للخروج من أفغانستان؛ فقد ساروا على الأقدام عبر طرق جبلية مظلمة، ثم مروا بباكستان وإيران وصولاً إلى تركيا، حيث عمل هناك لسنوات بأحد المصانع في أنقرة، وكان يتعلم اللغة الإنجليزية عبر الاستماع إلى مقاطع فيديو من «يوتيوب» باستخدام سماعات الأذن، قبل أن يُعاد توطينه في مدينة إيرمو، وهي إحدى ضواحي كولومبيا، بولاية ساوث كارولينا.
ابنه الآن يبلغ 11 عاماً، ولديه هو وزوجته ابنة تبلغ من العمر 3 سنوات وُلدت في الولايات المتحدة، وهو يعمل في مصنع للمجوهرات؛ مما يتيح له تأمين منزل من طابقين بثلاث غرف نوم، وقد أُعدَّ الطعام على طاولتين استعداداً للاحتفال بعيد الأضحى.
وقالت زوجته نورية إنها تتعلم الإنجليزية والقيادة، وهما شيئان لم يكن مسموحاً لها بهما في ظل حكم «طالبان». وأضافت: «أنا سعيدة جداً بوجودي هنا الآن، لأن ابني متفوق في دراسته، وابنتي كذلك. أعتقد أنهما عندما يبلغان 18 عاماً، سيعملان، وستتمكن ابنتي من الالتحاق بالجامعة».
وكان هذا هو الحلم ذاته الذي أرادته نورية لابنة أختها؛ إذ عرضت هي وزوجها مقاطع فيديو من هاتفيهما تُظهر الفتاة وهي ترسم وتلوّن. وبعد عودة «طالبان» إلى الحكم عام 2021، لم تعد قادرة على مواصلة تعليمها، فبدأ الزوجان التخطيط لإحضارها إلى الولايات المتحدة لتتمكن من متابعة دراستها.
تأثير قرار الحظر على الجالية الأفغانية
ولا تعرف نورية ما إذا كانت ابنة شقيقتها قد سمعت بهذه الأخبار؛ إذ لم تمتلك الشجاعة لإخبارها. وقالت: «لستُ مستعدة للاتصال بها. هذه ليست أخباراً جيدة، بل مؤلمة للغاية؛ لأنها قلقة وتريد المجيء إلى هنا».
وبينما كان الحوار جارياً، حضر جيم راي، الذي ساعد كثيراً من عائلات اللاجئين على الاستقرار في كولومبيا، وساعد أسرة شرف الدين في تخطي حاجز اللغة، وقال راي إن الأفغان في كولومبيا يدركون أن عودة «طالبان» قد غيّرت طريقة تعامل الولايات المتحدة مع بلادهم.
ويسمح الحظر بدخول الأزواج والأبناء والوالدين فقط إلى الولايات المتحدة، ولا يشمل بقية أفراد الأسرة. وقال راي إن «كثيراً من الأفغان يدركون أن أقاربهم يعانون، بل إن بعضهم يتضور جوعاً، لكن الآن أُغلقت أمامهم الطريق الوحيدة لمساعدتهم».
وأضاف راي: «علينا أن ننتظر لنرى كيف سيُنفّذ هذا الحظر وما تفاصيله، لكن ما يمر به هؤلاء الآن، حيث يُحرمون من لمّ شمل عائلاتهم، هو الجانب الأشد إيلاماً».
وانتقدت حركة «طالبان» قرار حظر السفر الذي فرضه الرئيس الأميركي، وصرّح زعيمها الأعلى، هبة الله آخوندزاده، بأن الولايات المتحدة أصبحت اليوم «الظالم الأكبر في العالم».
وقال في تسجيل صوتي نُشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «يُمنع مواطنو 12 دولة من دخول أراضيهم، ولا يُسمح للأفغان كذلك. لماذا؟ لأنهم يزعمون أن الحكومة الأفغانية لا تملك السيطرة على شعبها، وأن الناس يفرون من البلاد. إذن؛ أهذا ما تُسميه صداقة مع الإنسانية؟».
عندما وردت أنباء حظر السفر الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بما في ذلك إدراج أفغانستان على القائمة، تلقت نغينا خليلي، وهي مدعية عامة سابقة في أفغانستان فرت إلى أميركا خلال الانسحاب الفوضوي عام 2021، كثيراً من الرسائل من أفراد عائلتها الذين لا يزالون في أفغانستان وقطر: «ماذا يعني هذا بالنسبة إلينا؟ هل تبخرت آمالنا في إيجاد الأمان في أميركا يوماً ما؟».
وبموجب حظر السفر، الذي أُعلن عنه ليلة الأربعاء، فقد منعت إدارة ترمب من الدخول معظم الأفغان الذين كانوا يأملون إعادة التوطين بشكل دائم في الولايات المتحدة، وكذلك أولئك الذين كانوا يطمحون إلى دخول البلاد بشكل مؤقت، لأغراض مثل الدراسة الجامعية.
ويُستثنى من القرار حاملو تأشيرات الهجرة الخاصة، وهم مَن قدموا الدعم للولايات المتحدة خلال حربها التي استمرت عقدين في أفغانستان، إلا إن حظر السفر يأتي في وقت تتراجع فيه بشكل مطرد سائر أشكال الدعم الأخرى للأفغان الذين تعاونوا مع واشنطن، في ظل إدارة ترمب.
وقالت خليلي: «يبدو أن كل الأبواب تُغلق». ويحاول كثير من أفراد عائلتها القدوم إلى الولايات المتحدة عبر «برنامج إعادة توطين اللاجئين»، إلا إن شقيقتها، التي كانت تعمل صحافية خلال فترة الاحتلال الأميركي، لا تزال عالقة في كابل من دون عمل. كما أن والدها وشقيقها وزوجة أبيها ما زالوا عالقين داخل قاعدة أميركية في قطر، بعدما كانوا قد بلغوا مرحلة متقدمة من إجراءات قبول اللجوء، قبل أن يعلّق ترمب البرنامج في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي.
وجاء خبر إدراج أفغانستان ضمن الدول المشمولة بقرار حظر السفر بمثابة صدمة جديدة للعائلة، وقالت خليلي: «أرسلوا لي الخبر الليلة الماضية، وقالوا: لقد أصبح الأمر ميؤوساً منه». وأضافت: «عندما تحدثت إلى شقيقي في قطر، قال لي: أفضّل أن أموت هنا على أن أعود إلى أفغانستان».