كانت حملة برشلونة لموسم 2024-2025 مثيرة على أرض الملعب… لكنها لم تكن أقل إثارة خارجه، وذلك بحسب شبكة «The Athletic». فبينما نجح فريق هانسي فليك في الفوز بثلاثية محلية – الدوري الإسباني، وكأس الملك، وكأس السوبر الإسباني – وخسر بصعوبة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام إنتر، كانت الإدارة تخوض معركة شرسة على جبهة موازية: موازنة الحسابات المتعثرة والامتثال للقيود الصارمة المفروضة من رابطة الدوري الإسباني (لاليغا) على سقف الرواتب.
أكثر اللحظات دراماتيكية جاءت خلال فترة الانتقالات الشتوية في يناير (كانون الثاني)، حين اضطرت الحكومة الإسبانية للتدخل كي يتمكن النادي من تسجيل الثنائي داني أولمو وباو فيكتور للنصف الثاني من الموسم.

ومن المتوقع أن يكون صيف برشلونة مليئاً بالتطورات، في ظل تأكيد الرئيس جوان لابورتا أن النادي قادر على إبرام صفقات «بشكل طبيعي»، بينما يُصر رئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيباس على أن الكاتالونيين لا يزالون يواجهون «مشكلات مالية كبيرة».
ومع اقتراب نهاية السنة المالية في 30 يونيو (حزيران)، نستعرض ملامح الوضع الراهن في برشلونة، والتوقعات لما قد يحدث حتى إغلاق سوق الانتقالات في أغسطس (آب)… وكيف أن مجموعة من المقاعد الخاصة في ملعب «كامب نو» قد تكون مفتاحاً لكل شيء.
هل يملك برشلونة المال الكافي للإنفاق هذا الصيف؟
في 19 مايو (أيار)، صرّح لابورتا عبر قناة «تي في 3» الكاتالونية أن إجمالي إيرادات النادي لموسم 2024-2025 سيصل إلى نحو 950 مليون يورو (ما يعادل مليار دولار)، متوقعاً أن تتجاوز الميزانية مليار يورو في الموسم التالي.
وعندما سئل عن إمكانية التعاقد مع لاعبين جدد، لم يكن مباشراً، لكنه لمح إلى نية تعزيز بعض المراكز قائلاً: «علينا أولاً تقييم ما لدينا، وبعدها سندعم بعض المراكز».
المدير الرياضي ديكو والمدرب فليك تحدثا عن الرغبة في تعزيز الخط الأمامي، بينما كشف لابورتا أن مركز حراسة المرمى محل اهتمام أيضاً، حيث يعد حارس إسبانيول جوان غارسيا الهدف الأول للنادي، كما أورد تقرير صفقة الانتقالات الخاص ببرشلونة يوم الثلاثاء.
هل سيتمكن برشلونة من تسجيل اللاعبين الجدد؟
المعضلة في السنوات الأخيرة لم تكن في إيجاد الأموال للتعاقد، بل في تسجيل اللاعبين لدى رابطة «لاليغا»، بسبب تجاوز النادي لسقف الرواتب المسموح به.
فالنادي لا يزال يرزح تحت وطأة ديون تزيد عن 1.3 مليار يورو منذ عودة لابورتا إلى رئاسة النادي عام 2021، كما أن بعض الحلول قصيرة المدى المعروفة باسم «الرافعات المالية» التي استخدمها النادي لجمع الأموال لم تُعتمد دائماً من قِبل «لاليغا»، التي تُطالب بإدارة مالية مستدامة.
وبرشلونة يرى أن هذه القيود «غير عادلة»، ولجأ لحلول إبداعية، مثل تسجيل أولمو وفيكتور في بداية الموسم الماضي عن طريق بند يتيح استبدال اللاعبين المصابين لفترات طويلة – في هذه الحالة كان المدافع أندرياس كريستنسن.
ما آخر مستجدات أولمو وفيكتور؟
في أبريل (نيسان) الماضي، أصدرت المحكمة الرياضية التابعة للمجلس الأعلى للرياضة في إسبانيا قراراً يجبر «لاليغا» على تسجيل داني أولمو وباو فيكتور لبقية الموسم.
الحكم لم يُشكك في قواعد الرقابة المالية، لكنه رأى أن اللجنة المشتركة بين «لاليغا» والاتحاد الإسباني لكرة القدم لا تملك صلاحية سحب تراخيص اللاعبين في يناير.
وبحسب ما أكده مسؤولون في «لاليغا»، فإن اللاعبَين الآن مسجلان حتى نهاية عقودهما: 2030 لأولمو و2029 لفيكتور، رغم أن الرابطة ما زالت تطعن في القرار أمام محكمة أخرى.
في المقابل، ترى «لاليغا» أن تسجيل اللاعبين في يناير تجاوز السقف المسموح به للأجور، مما يُقيد قدرة النادي على تسجيل لاعبين جدد هذا الصيف، إلا إذا قام بتقليص النفقات أو زيادة الدخل.
ما قصة المقاعد الفاخرة في كامب نو الجديد؟
في خريف 2024، حاولت إدارة برشلونة إيجاد طرق جديدة لتوفير أموال كافية لتسجيل أولمو وفيكتور. ورغم أن صفقة الرعاية مع «نايكي» ساعدت جزئياً، فإنها لم تكن كافية. وحتى اللجوء للمحاكم الكاتالونية لم يُسفر عن نتيجة.
في ديسمبر (كانون الأول)، قرر مجلس الإدارة بيع إيرادات مستقبلية من 475 مقعداً فخماً ضمن مشروع إعادة بناء «كامب نو»، ضمن ما يسمى بنموذج «رخصة المقعد الشخصي».
وبحسب لابورتا، جلبت هذه الصفقة 100 مليون يورو من مستثمرين اثنين: 70 مليون من مجموعة «نيو إيرا فيجينيري غروب» الإماراتية المملوكة لرجل الأعمال المولدوفي روسلان بيرلاديانو، و30 مليوناً من صندوق «فورتا أدفايزرز ليميتد» المدعوم من قطر ومقره لندن.
وحصل برشلونة بالفعل على المبلغ الكامل من المستثمر القطري، و40 في المائة من المتبقي (28 مليون يورو)، وفق ما قاله لابورتا في يناير.
لكن في أبريل، شككت «لاليغا» في مشروعية هذه الأموال، مشيرة إلى أن شركة التدقيق السابقة «غرانت ثورنتون» لم تذكر المبلغ في تقرير ديسمبر، ولا الشركة الجديدة «كرو غلوبال» في تقريرها لشهر أبريل.
برشلونة أعرب عن «دهشته واستيائه»، واتهم تيباس بمحاولة «زعزعة استقرار النادي». وتشير تقارير كاتالونية إلى أن بناء المقاعد فعلياً شرط أساسي لاحتساب الإيرادات ضمن ميزانية 2024-2025.
وقال لابورتا لمنصة «غيغانتيس» في مايو: «المقاعد جاهزة، وربما يتم احتسابها هذا الشهر… و(لاليغا) تحدد السقف بعد الاطلاع على ميزانيتنا».
لكن في يونيو، قالت «لاليغا» إنها لم تتسلم بعد أي تفاصيل عن هذه الأموال، لذا لم تحتسبها في حسابات السقف المالي حتى الآن.
هل قد يتأثر عقد لامين يامال؟
سبق أن واجه برشلونة مشكلات في تسجيل عقود نجومه الشبان بسبب تجاوز السقف. لكن العقد الجديد للنجم الصاعد لامين يامال، والذي يمتد حتى 2031، لن يتأثر.
وذلك بفضل تعديل أدخلته لاليغا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، يسمح للأندية بزيادة رواتب الشبان الذين أثبتوا قيمتهم على مستوى الفريق الأول، لمنع انتقالهم لأندية أخرى.
لكن رغم تأمين بقاء يامال، فإن راتبه الكبير – الذي قد يصل إلى 40 مليون يورو سنوياً – يقلل من هامش المناورة في المواسم المقبلة.
ماذا عن «الرافعات المالية» الشهيرة؟
في عام 2022، باعت إدارة لابورتا 25 في المائة من حقوق البث التلفزيوني المستقبلية مقابل 400 مليون يورو، مما يوجب على النادي دفع 40 مليون يورو سنوياً للمستثمر الأميركي «سيكث ستريت».
أما مشروع «بارسا ستوديوز» – الذي يُعرف حالياً باسم «بارسا ميديا» – فكان يُقدّر سابقاً بمليار دولار. لكن بسبب تأخر وصول أموال من المستثمرين، اضطرت الإدارة السابقة إلى خفض تقييمه في أكتوبر (تشرين الأول)، مما حوّل الأرباح المقدرة بـ12 مليون يورو إلى خسائر إجمالية بـ91 مليون يورو.
وفي حال لم يدخل مستثمرون جدد، قد يُطلب خفض جديد في قيمته ضمن حسابات 2024-2025، مما قد يؤدي إلى تقليص سقف الرواتب لموسم 2025-2026.
النادي أطلق مؤخراً ذراعاً تجارياً جديداً باسم «بارسا موبايل»، وهو مشغل افتراضي لشبكات الهاتف عبر الإنترنت. وتوقع لابورتا أن يكون «منجم ذهب»، مع العلم أن الشريك الرئيسي فيه هو مجموعة «نيو إيرا فيجينيري غروب» نفسها التي اشترت مقاعد كامب نو.
ما المتوقع حدوثه هذا الصيف؟
التوقع في برشلونة دائماً صعب. ومع أن النادي تلقى حتى الآن 58 مليون يورو من أصل 100 مليون يورو من صفقة مقاعد كبار الشخصيات، فإن ما تبقى – نحو 42 مليون – يجب أن يُدفع قبل 30 يونيو ليُحتسب في حسابات العام الحالي.
ووفق تقارير كاتالونية، من المتوقع أن يُحوّل بيرلاديانو الدفعة المتبقية قبل الموعد، لكن ليس هناك شيء مؤكد بعد.
برشلونة يسعى كذلك لتقليص سقف الرواتب من خلال بيع اللاعبين غير المرغوب فيهم، مثل أنسو فاتي، وكليمون لانغليه، وإيناكي بينيا. وقد تُطرح أسماء بارزة للبيع مثل رونالد أراوخو ومارك أندريه تير شتيغن.
وإذا نجح النادي في جني ما يكفي من الأموال وتجاوز سقف الرواتب، فسيخضع لقاعدة «1 مقابل 1»، أي يمكنه إنفاق يورو مقابل كل يورو يحصل عليه، بدلاً من تخصيص نصفه لسداد الديون السابقة.
قال لابورتا لـ«غيغانتيس»: «أعتقد أننا سنكون قادرين على التعاقد مع لاعبين، وسنكون ضمن قاعدة 1:1. صحيح أن الوضع كان ضيقاً جداً، لكن علينا مواصلة العمل. الأمور صعبة بسبب خصوصية قواعد اللعب المالي النظيف. سنواصل القتال، لكن هذا سيجعل النجاح أحلى».
ومن الواضح أن المزيد من «القتال» بين برشلونة ورابطة الدوري قادم. تيباس قال في أبريل: «آمل أن يكون برشلونة ضمن قاعدة 1:1 في السوق المقبل، لكن عليكم سؤالهم. نأمل ألا تتكرر المفاجآت في آخر 48 ساعة».