
ألعاب تشد الأعصاب لدرجة السهر – الجزء الثالث والأخير
نستكمل مقالتنا :
Disco Elysium
ما الذي يصنع الإنسان؟
قد يبدو من البديهي أن تحتوي لعبة تحري على قدر من التوتر والإثارة، لكن Disco Elysium تذهب أبعد بكثير مما قد يتوقعه أي لاعب. هذه ليست مجرد قصة غموض تسعى لحل جريمة، بل رحلة نفسية وجودية تمزج بين فقدان الهوية والانهيار الداخلي مع السياسة والفلسفة والألم الإنساني الخام.
اللعب بها لأول مرة كفيل بأن يسلبك النوم، ليس فقط بسبب رغبتك في معرفة ما سيحدث لاحقًا، بل لأنك تجد نفسك فجأة محاصرًا بأسئلة وجودية تتعدى حدود الشاشة. من هو هذا المحقق المتهالك؟ ولماذا لا يأخذه أحد على محمل الجد؟ ما الذي حدث لماضيه؟ أين زوجته؟ ولماذا توجد جثة متعفنة معلقة على شجرة خلف مقهى صغير؟ هذه الأسئلة تنهال على اللاعب منذ اللحظات الأولى، وتزرع شعورًا دائمًا بالضياع والقلق.
ومع كل حوار جديد أو خيار تتخذه، تتضح بعض خيوط الحكاية، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن أسئلة أعمق وأثقل. Disco Elysium لا تقدم إجابات سهلة، بل تغريك بالغوص أكثر في عالمها المظلم والمتشظي، حيث كل شخصية تقابلها هي مرآة تعكس شيئًا من فوضى بطل اللعبة أو من كوابيسك الخاصة. ومع كل خطوة، تكتشف أنك لا تبحث فقط عن حل جريمة قتل، بل عن تعريف جديد لمعنى أن تكون إنسانًا محطمًا يحاول الوقوف مجددًا وسط عالم يتداعى من حوله.
Layers Of Fear
عندما نتحدث عن الألعاب التي تحبس الأنفاس بالتوتر والتشويق، لا بد أن نذكر تلك التي تبقينا مستيقظين لأسباب تتعدى مجرد حب الاستطلاع. بعض الألعاب تمنعك من النوم بسبب جرعة الأدرينالين التي يسببها استكشاف منزل مسكون، وLayers Of Fear تقدم كل ذلك في حكاية واحدة موحشة ومليئة بالرعب النفسي.
تبدأ اللعبة بأن تستيقظ داخل قصر كبير، أنت رسام محترف، وكل ما تعرفه هو أن هناك شيئًا خاطئًا يدور من حولك. منزلك الفخم الذي اعتدت أن تجد فيه السكينة أصبح يعج بالظلال المتحركة والأصوات الغامضة، وكل غرفة تفتحها تكشف عن قطعة جديدة من لغز عائلي معقد.
مع تقدمك بين الممرات واللوحات المشوهة، تبدأ اللعبة في الكشف عن طبقات خفية من ماضيك. كل تفصيلة صغيرة – من الرسائل القديمة إلى الرسومات الغريبة – تحمل دلالة عاطفية أو تلميحًا عن اختفاء زوجتك وابنتك، أو حتى عن فقدانك للعقل. ليس الأمر فقط أن اللعبة تحكي لك قصة، بل أنت أيضًا تروي القصة من خلال اختياراتك واستكشافك، وكأنك ترسم لوحة لنفسك دون أن تدري.
وكلما اقتربت من الحقيقة، تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، ويبدأ المنزل نفسه في التلاعب بك، مما يجعل كل لحظة مليئة بالقلق والتساؤلات: هل ما أراه حقيقي؟ أم أن هذا نتاج عقل مكسور يحاول التشبث بذاته؟ Layers Of Fear ليست فقط رحلة رعب، بل مرآة نفسية عميقة لشخص يتفكك ببطء داخل جدران بيته ولوحاته.
Death Stranding
خطوة بخطوة
من المعروف أن أي مغامرة يطلقها Hideo Kojima لا تكون تقليدية على الإطلاق، ومنذ اللحظات الأولى، كان من الواضح أن Death Stranding ستكون أكثر تجاربه غرابة وجرأة، فهي لعبة تتحدى مفاهيم النوع والأسلوب وتقدم تجربة لا تشبه أي شيء آخر. ومن اللحظة التي تبدأ فيها اللعب، تبدأ معها أسئلة لا تنتهي عن طبيعة هذا العالم، ومعناه، وما الذي ينتظرك في كل منعطف.
يبدأ كل شيء بشخصية غامضة يجسدها Norman Reedus، يحمل جنينًا داخل حاوية شفافة على صدره ويشق طريقه في عالم محطم، كعامل توصيل في مستقبل منهار. الفكرة في حد ذاتها تثير الحيرة، لكن الغموض لا يتوقف عند ذلك الحد. هناك أطياف غريبة وكائنات ميتافيزيقية تهدد رحلتك، ومناظر طبيعية شاسعة مفعمة بالوحدة والرهبة.
رحلة Death Stranding ليست فقط جسدية بل نفسية وفكرية. كل خطوة تخطوها على تلك الأراضي الصامتة تقربك من فهم أعمق لهذا الكون المتفكك، وكل مهمة توصيل تعني شيئًا أكبر من مجرد تسليم طرد. كل لقاء مع شخصية جديدة يحمل رسالة رمزية، وكل مشهد سينمائي يتركك تتساءل: ما الهدف من كل هذا؟ وهل نحن نعيد بناء العالم فعلًا أم مجرد نحاول إخفاء كسره تحت قشرة لامعة؟
المثير في Death Stranding أنك في كل مرة تعتقد أنك فهمت اللعبة، يفاجئك Kojima بعنصر جديد يقلب المعادلة. لعبة لا تكف عن التجدد، ولا تمنحك راحة، بل تدفعك دائمًا للبحث عن المعنى في كل شيء، خطوة بخطوة، حتى تصل إلى النهاية التي ستظل تفكر فيها طويلًا بعد انتهاء الرحلة.
Mouthwashing
عادةً ما تكون الألعاب النصية التي تدور في المستقبل وتُبنى على الألغاز مفعمة بالغموض الهادئ والتفاصيل الذكية، ولكن لعبة Mouthwashing قلبت هذه المعادلة رأسًا على عقب وقدمت تجربة خنقت أنفاس اللاعبين منذ لحظاتها الأولى. تبدأ القصة على متن ناقلة بضائع فضائية، في عالم مستقبلي يبدو مألوفًا بقدر ما هو غريب. ولكن سرعان ما تنقلب الرحلة إلى كابوس بعد تحطم السفينة بطريقة مفاجئة.
من هنا تبدأ رحلة البحث عن النجاة، ولكنها لا تقتصر على الطعام والهواء والمأوى، بل تتعمق في كشف أسرار الطاقم والرحلة. كل اكتشاف جديد لا يحمل معه إجابات مطمئنة بل يكشف عن حقائق أكثر قسوة عن أفراد الطاقم، وعن طبيعة المهمة الغامضة التي كانوا مكلفين بها. كل رسالة مشفرة وكل مذكرة تركها أحد أفراد الطاقم المفقودين تزيد من شعور القلق، وتخلق جوًا متصاعدًا من التوتر.
ما يجعل Mouthwashing مرعبة حقًا ليس الوحوش أو الأشباح، بل الناس أنفسهم. اللعبة تسلط الضوء على قرارات الإنسان عندما يُوضع تحت الضغط، وتكشف كيف يمكن للمواقف الصعبة أن تُخرج أسوأ ما في النفس البشرية. ومع كل لغز يُحل، تظهر حقيقة جديدة أكثر إيلامًا من التي قبلها، حتى تصل إلى النهاية التي تتركك مشوشًا، مثقلًا بالأسئلة، وربما، غير راغب في إعادة التجربة مرة أخرى. هذه ليست مغامرة تقليدية، بل اختبار صعب للأعصاب لا يناسب أصحاب القلوب الضعيفة.