
“ريسورس ريزوليوشنز”: الشركات الغربية لا تزال تتعامل بعقلية استعمارية
هبطت مروحيات تابعة للحكومة المالية بشكل مفاجئ في مجمع تابع لشركة “باريك ماينينج” يوم الخميس، وصادرت شحنة من الذهب، مما صعد الخلاف بين الطرفين وسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها شركات التعدين في ظل سعي الدول الأفريقية للسيطرة بشكل أكبر على مواردها الطبيعية.
يمتد هذا الاتجاه عبر منطقة غرب ووسط أفريقيا المعروفة باسم “حزام الانقلابات”، والتي تشمل مالي والنيجر وغينيا، حيث سيطرت أنظمة عسكرية على الحكم في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى دول ذات حكومات منتخبة مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد شجعت المنافسة العالمية المحمومة على المعادن الحيوية، التي تُعد أساسية لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع والطاقة النظيفة، هذه الحكومات على اتخاذ خطوات أكثر جرأة.
المداهمة التي استهدفت مجمع “لولو-جونكوتو”، والتي أسفرت عن مصادرة أكثر من طن من الذهب، زادت من أزمات الشركة الكندية، التي كانت قد فقدت بالفعل حقوق التشغيل في المنجم بعدما أغلقته في يناير عقب مصادرة حكومية سابقة لشحنة ذهب، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
في سياق متصل، شرعت النيجر في تأميم منجم لليورانيوم تديره بشكل مشترك مع شركة “أورانو” الفرنسية المملوكة للدولة، بينما ألغت غينيا عشرات التراخيص في قطاعات الذهب والبوكسيت والماس والجرافيت والحديد.
أما جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد مددت الشهر الماضي حظراً على تصدير معدن الكوبالت، الذي يُستخدم في صناعة البطاريات، في محاولة لرفع الأسعار، وهو ما دفع شركة “جلينكور” إلى إعلان حالة “القوة القاهرة” بشأن بعض التزاماتها التعاقدية.
قال دانييل ليتفين، الرئيس التنفيذي لشركة “ريسورس ريزوليوشنز” المتخصصة في حل النزاعات المرتبطة بالمعادن، إن “الشركات الغربية لا تزال غالباً تتعامل وفق قواعد قديمة… فيما يتعلق بكيفية التعامل مع حكومة تختلف جذرياً معها”.
وأضاف: “تحتاج هذه الشركات إلى جعل استراتيجياتها أكثر تطوراً، وفهم أعمق لدوافع الحكومات المضيفة، وهو ما تبرع فيه الشركات الصينية، بدلاً من التمسك بنظرة متعالية تفترض أن تلك الحكومات تتصرف بلا منطق”.
وفيما سلكت بعض الحكومات طريقاً أكثر وضوحاً نحو “القومية المواردية” من خلال المطالبة بحصة أكبر من الإيرادات وزيادة مشاركة الدولة في المشاريع المشتركة، سعت أخرى إلى التصعيد داخل سلسلة القيمة من خلال السيطرة على عمليات معالجة المواد الخام.
كما سعت بعض الديمقراطيات إلى انتزاع تنازلات من شركات التعدين الأجنبية قبل الانتخابات، بينما لعبت الاعتبارات الجيوسياسية دوراً في إعادة تشكيل العلاقات، حيث قامت دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر بتقليص علاقاتها مع القوى الاستعمارية السابقة ودول غربية أخرى.
في هذا السياق، دشن القائد العسكري في مالي، عاصمي جويتا، الشهر الماضي مشروع مصفاة ذهب بالشراكة مع تكتل روسي وشركة استثمار سويسرية، قائلاً إن المشروع سيعزز “السيادة الاقتصادية” للبلاد.
من جانبها، أوضحت شركة “فيريسك مابل كروفت” المتخصصة في استخبارات المخاطر، أن “القومية المواردية” أصبحت موضوعاً رئيسياً في تواصلها مع العملاء العاملين في قطاعات الاستخراج.
وذكر مسؤولون آخرون في القطاع أن شركات التعدين بدأت تتبنى “نهجاً متعدد المسارات”، يجمع بين التفاوض السري ورفع دعاوى قانونية ضد الحكومات المضيفة.
لكن مثل هذه الصفقات قد تُفهم على أنها غير قانونية أو تمت تحت الإكراه، خاصة في ظل تصاعد المخاوف لدى نشطاء مكافحة الفساد بعد أن وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزارة العدل الأمريكية إلى تعليق تطبيق قانون يحظر رشوة المسؤولين الأجانب.
وحذر ليتفين من أن الاتفاقات التي تتم من خلال ممارسات غير أخلاقية غالباً ما تكون “انتصارات قصيرة الأجل”.
وأضاف: “ينبغي أن تضاعف الشركات الغربية التزامها بالمعايير الدولية… فكل ممارسة خاطئة قد تحقق مكسباً قصير الأمد لكنها ستُكلف على المدى الطويل”.
بدوره، قال المحلل في “فيريسك مابل كروفت”، مجاهد دورماز، إن الشركات بإمكانها تحسين علاقاتها مع الحكومات المضيفة من خلال المساهمة في تنمية اقتصادية-اجتماعية أوسع، مثل الاستثمار في البنية التحتية.
وأكد أنه “لم يعد من المجدي أن تستنزف الموارد وترحل ببساطة”.
وأشار أيضاً إلى ضرورة أن تدرس الشركات التعاون مع الدول التي تسعى إلى تعزيز حصتها من عمليات معالجة المعادن، موضحاً أن غانا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية أعربت جميعها عن اهتمامها بذلك.
من جانبه، قال مارك بريستو، الرئيس التنفيذي لشركة “باريك”، في رسالة نُشرت على الموقع الإلكتروني للشركة، إن الأخيرة لا تزال ملتزمة بمالي رغم “التحديات الاستثنائية وغير المسبوقة”.
وأضاف: “علاقتنا مع مالي تتجاوز الشراكة التجارية — فهي تجسد مفهوم القيمة المشتركة الذي يحدد نهجنا في التعدين المسؤول في أفريقيا وحول العالم”.
وفي مثال على مبادرات البنية التحتية، أشار الاقتصادي السياسي فرانسوا كونرادي، المقيم في المغرب والتابع لـ”أوكسفورد إيكونوميكس”، إلى مشروع “سيماندو” في غينيا، الذي تشارك فيه شركة “ريو تينتو” الأنجلو-أسترالية مع شركاء صينيين لبناء مرافق سكك حديدية وموانئ.
لكنه حذر أيضاً من أن على الشركات تجنب “الانتظار” للحصول على التراخيص من دون استغلالها، الأمر الذي يحرم الحكومات المحتاجة من تدفقات مالية أساسية مثل الضرائب والإتاوات.
فعلى سبيل المثال، أخرت شركة “أورانو” الإنتاج في منجم “إيمورارين” في شمال النيجر لسنوات بسبب تدهور أسعار اليورانيوم، قبل أن تُسحب منها الحقوق بعد انهيار العلاقات بين النيجر وفرنسا.
وقال كونرادي: “إذا جئت إلى بلد ما، فعليك أن تضخ أموالاً في خزينة الدولة”.
مع ذلك، حذر محللون من ضرورة أن تكون الحكومات حذرة أيضاً كي لا تثني المستثمرين عن دخول صناعاتها.
ولفت دورماز إلى أن المخاطر التي تواجه المستثمرين في مالي والنيجر “تغيرت للأسوأ”، بينما أصبحت غينيا “تنطوي على مخاطر تفوق مكاسبها”.
وقال أندرو دينينج، مؤسس شركة “ساراما ريسورسيز”، التي بدأت إجراءات تحكيم ضد حكومة بوركينا فاسو، إن انسحاب المستثمرين الغربيين سيخلق فراغاً من المرجح أن تملأه الأموال الصينية أو غير الغربية.