د. أحمد الشناوى يكتب: “النقل الأخضر” فى مصر.. تحول استراتيجى نحو اقتصاد أكثر استدامة – newnews4

د. أحمد الشناوى يكتب: “النقل الأخضر” فى مصر.. تحول استراتيجى نحو اقتصاد أكثر استدامة – newnews4

لم يعد التحول إلى “النقل الأخضر” مجرد توجه عالمي، بل أصبح ضرورة تفرضها التحديات البيئية والصحية والاقتصادية، وهو ما أدركته مصر مبكرًا، لتضع هذا التوجه ضمن أولوياتها الاستراتيجية في السنوات الأخيرة.

تاريخيًا، شكّلت وسائل النقل ركيزة أساسية في تطور الحضارات، فقد كانت وسيلة رئيسية لربط المدن والقرى، وساهمت في نمو التجارة وتكامل الأنشطة الاقتصادية.

ومع الثورة الصناعية، شهد العالم طفرة هائلة في وسائل النقل البرية مثل السيارات والقطارات والشاحنات، إلا أن هذا التوسع السريع كان له ثمن بيئي وصحي باهظ.

فقد تسببت عوادم السيارات في زيادة معدلات الإصابة بأمراض خطيرة مثل سرطان الدم وسرطان الرئة، كما تؤثر هذه الانبعاثات على كفاءة نقل الأكسجين في الدم، ما يؤدي إلى مشكلات قلبية وتنفسية.

ولا تقتصر الأضرار على البالغين، بل يمتد تأثير الرصاص المنبعث من عوادم السيارات إلى الأطفال، مهددًا قدراتهم العقلية، وكذلك خصوبة الشباب.

أما بيئيًا، فساهمت وسائل النقل المعتمدة على الوقود الأحفوري في تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات الحرارة، ونقص المياه، وازدياد حدة الفيضانات والجفاف. كما تسببت تقلبات أسعار البترول عالميًا في زيادة تكاليف السفر ونقل البضائع.
واستجابة لكل هذه التحديات، اتجهت العديد من دول العالم إلى تبني “النقل الأخضر” القائم على الكهرباء والطاقات المتجددة، كبديل نظيف لا يصدر انبعاثات كربونية.

وفي هذا السياق، وضعت مصر خطة طموحا للتحول إلى وسائل النقل المستدامة، سواء من خلال تشجيع السيارات الكهربائية أو عبر تطوير وسائل النقل الجماعي الحديثة.

وقد اتخذت الدولة عدة إجراءات تحفيزية، أبرزها: إعفاء السيارات الكهربائية المستعملة المستوردة من الجمارك، بشرط ألا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات.

وفرض رسوم ثابتة بنسبة 2% على المعدات المستوردة المرتبطة بهذه الصناعة، وكذلك إعفاء ضريبي على عقود التأسيس والتمويل لمدة خمس سنوات.

بالاضافة إلى تقديم دعم نقدي بقيمة 50 ألف جنيه لأول 100 ألف سيارة كهربائية محلية الصنع.

كما تعاونت وزارة الإنتاج الحربي مع شركات محلية لإنتاج الأتوبيسات الكهربائية، التي ظهرت لأول مرة في شرم الشيخ خلال مؤتمر المناخ COP27 عام 2022، وبدأ تعميمها تدريجيًا في القاهرة والإسكندرية.

وفي عام 2024، أعلنت وزارة النقل أن هذا العام سيكون “عام النقل الأخضر” في مصر، من خلال إطلاق عدد من مشروعات النقل الجماعي النظيفة، منها:

مشروع مونوريل العاصمة الإدارية و6 أكتوبر: وسيلة مواصلات جديدة تعمل بالكهرباء وبدون سائق، تربط المناطق السكنية كثيفة السكان بشبكة المترو، وتتميز بسهولة التنفيذ في المناطق الضيقة والمزدحمة دون الحاجة إلى تعديلات جوهرية في البنية التحتية.

القطار الكهربائي الخفيف: يربط القاهرة بالمدن الجديدة مثل العبور والشروق وبدر والعاشر من رمضان والعاصمة الإدارية، ويتيح الربط مع المونوريل وخطوط المترو.

القطار الكهربائي السريع: مشروع ضخم يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر ثلاثة خطوط رئيسية، ويبلغ طوله الإجمالي أكثر من 2000 كم، بسرعة تشغيل تصل إلى 250 كم/ساعة، ليخدم نقل الركاب والبضائع ويحقق ربطًا لوجستيًا شاملًا بين موانئ البلاد.

كما تم الانتهاء من الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة، ويجري تنفيذ الخط الرابع، بالإضافة إلى إطلاق أول مشروع مترو خارج القاهرة الكبرى في الإسكندرية مترو أبوقير.

وتعد محطة عدلي منصور المركزية من أبرز ملامح النقل الأخضر في مصر، حيث تقام على مساحة 30 فدانًا، وتوفر تبادلًا بين خمس وسائل نقل مختلفة، ما يجعلها نموذجًا متكاملًا لمحطات النقل الحديثة.

وإلى جانب حماية البيئة، يسهم النقل الأخضر في تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يُخفف من الازدحام والتلوث، وخفض استهلاك الوقود، وبالتالي تقليل الإنفاق الحكومي والمواطنين.

وتحسين جودة الهواء والصحة العامة، وكذلك تعزيز الاقتصاد من خلال دعم الصناعة المحلية وخلق فرص عمل جديدة.

إن ما تنفذه مصر اليوم من مشروعات نقل نظيفة يُعد تحولًا استراتيجيًا يضع البلاد على مسار أكثر استدامة، ويؤكد التزامها بمستقبل بيئي آمن واقتصاد متطور يرتكز على التكنولوجيا والطاقات المتجددة.

بقلم:
د. أحمد الشناوي، خبير الطاقة الكهربائية