ماركوس أشورث يكتب: قوة اليورو .. نعمة أم نقمة على اقتصاد الاتحاد “الهش”؟

ماركوس أشورث يكتب: قوة اليورو .. نعمة أم نقمة على اقتصاد الاتحاد “الهش”؟

“الحفاظ على قوة العملة يفترض أيضاً أن تتراجع وتيرة نمو الاقتصادات المنافسة، وهذا مطلب صعب جداً”

على مؤيدي “اليورو القوي”، ان يحذروا من تحقق أمنيتهم لأن استمرار صعود العملة الأوروبية الموحّدة قد يخنق أي انتعاش هش قد يسجله اقتصاد منطقة اليورو حتى قبل أن يبدأ.

تثبت تجارب العقد الماضي أن فرط قوة اليورو هو آخر ما تحتاجه المنطقة الآن.

ورغم أن رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، لطالما تجنب الحديث عن قوة العملة، إذ اضطر للتطرق إليها في أعوام 2014 و2017 و2018.. لكن تحذيره الأخير في خطابه حول “مستقبل القدرة التنافسية الأوروبية”، يبدو مهماً للغاية.

في المقابل، يتصاعد الحديث عن موجة إنفاق أوروبية ضخمة على البنية التحتية والدفاع بقيادة ألمانيا، في ظل توقّعات، خصوصاً من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، بأن يستفيد اليورو من تراجع الدولار.

تراجع كأصل احتياطي

كما هو الحال في كثير من التحليلات المتعلقة بالدولار، تخلط معظم التقديرات المتفائلة بشأن اليورو بين استخدام العملة، ومفهوم مختلف تماماً هو القيمة النسبية لأزواج العملات.

فلا مؤشرات تُذكر على أن “اليورو” يكتسب زخماً كعملة عالمية للأعمال خارج نطاقه الإقليمي. بل إن الذهب، بحسب التقييم السنوي للبنك المركزي الأوروبي، انتزع من اليورو موقعه كثاني أكبر مكوّن في احتياطات البنوك المركزية العالمية.

وتشير دراسة لمجلس الذهب العالمي، إلى أن هذا الاتجاه مرشّح للاستمرار بلا تهديد لموقع الدولار المتصدّر عالمياً سواء من حيث الاستخدام أو الاحتياطات.
صحيح أن اليورو ارتفع 13% مقابل الدولار هذا العام، لكن المؤشر الأكثر دلالة ربما هو مكسبه المحدود بنسبة 3% فقط أمام الجنيه الإسترليني.

فالمركزي الأوروبي خفّض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع بمرتين من الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا خلال العام الماضي، ومع ذلك لم تنعكس هذه السياسة بوضوح على قيمة العملة.

رغم أن اليورو، يبدو في وضع مستقر حالياً، إلا أن تعزيز الطلب المحلي فعلياً سيحتاج إلى تدخّل مالي كبير.

وبالطبع، فإن الحفاظ على قوة العملة يفترض أيضاً أن تتراجع وتيرة نمو الاقتصادات المنافسة، وهذا مطلب صعب جداً.

تعويل أوروبا على التصدير

صحيح أن منطقة اليورو ستظلّ أكبر سوق موحّدة في العالم، لكنها تعتمد في الأساس على صادراتها الصناعية كمحرّك رئيسي للنمو الاقتصادي.

وهذا ما يفسّر دخولها في مفاوضات شائكة حول الرسوم الجمركية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، إذ إن ألمانيا وحدها تسجّل فائضاً في الحساب الجاري يُقدّر بنحو 250 مليار يورو (290 مليار دولار)، وهو الأكبر عالمياً، متجاوزة حتى اليابان في العام الماضي.

بالتالي، ما كان يُعدّ سابقاً من أبرز نقاط القوة في الاتحاد الأوروبي بات اليوم نقطة ضعف واضحة؛ فكلما زادت قوة اليورو بات الحفاظ على تنافسية الصادرات أصعب.

يبدو أن محاولة التأثير على الأسواق من خلال التصريحات العلنية قد بدأت.

صرّح نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي لويس دي جويندوس لتلفزيون “بلومبرج”، الثلاثاء، بأن تجاوز اليورو مستوى 1.20 دولار “سيكون أمراً معقداً جداً ولكن مستوى 1.20 مقبول تماماً”.

وعلى أساس القيمة المرجّحة بالتجارة، لم يسجّل اليورو مستوى أقوى مما هو عليه اليوم، وفقاً لمؤشر البنك المركزي الأوروبي الذي يقيسه مقابل 41 عملة.

صحيح أن ضعف الدولار يبقى العامل الأبرز، بما أن نحو 20% من صادرات الاتحاد الأوروبي تتجه إلى السوق الأمريكية، لكن العلاقة مع اليوان الصيني باتت تضاهيه أهمية، في ظل بلوغ حجم التجارة الثنائية مع الصين نحو 740 مليار يورو عام 2023.

ترجمة الوعود إلى أفعال

حذرت أودري تشايلد-فريمان، كبيرة استراتيجيي عملات مجموعة العشر في “بلومبرج إنتليجنس”، من أن البنك المركزي الأوروبي قد يجد نفسه في موقف حرج إذا تسارعت مكاسب اليورو نتيجة تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.

إن ارتفاع العملة بوتيرة أسرع قد يدفع المركزي الأوروبي إلى خفض الفائدة مجدداً، وربما إلى ما دون مستوى الحياد النقدي المقدر بنحو 2% الذي يفضّله، وهو المستوى الذي يستقر عنده حالياً معدل الفائدة على الودائع.

صحيح أن قوة اليورو تترجم إلى انخفاض كلفة الواردات، ما قد يخفف أعباء الفواتير عن كاهل الأسر ويعزّز الدخل المتاح للإنفاق والاستهلاك، إلا أن هذه الفوائد تقابلها مخاطر أخرى.

فمع بقاء التضخم في منطقة اليورو دون مستهدف البنك المركزي البالغ 2% — كما في فرنسا التي سجلت تضخماً سنوياً بنسبة 0.8% في يونيو — تتصاعد المخاوف من انكماش سعري.

بطبيعة الحال، يمكن لاقتصاد قوي وتنافسي أن يتعامل بسهولة مع عملة مرتفعة القيمة، كما كانت الحال مع المارك الألماني قبل اعتماد اليورو. لكن اقتصاد منطقة اليورو المتباطئ، والذي لا ينمو سوى بنحو 1%، بعيد جداً عن ذلك.

وقد خفّض المركزي الأوروبي أسعار الفائدة إلى النصف خلال العام الماضي لسبب وجيه.

تحقيق الوعود المتعلقة بزيادة كبيرة في الإنفاق العام، وبأسرع وقت ممكن، أساسي لاستمرار صعود اليورو. فبناء قدرات دفاعية ذاتية أمر أساسي، لكن الاستجابة لنداء ماريو دراجي لتعزيز القدرة التنافسية لا تقل أهمية.

في حالة اليورو، الأفعال خير من الأقوال، وهذا يعني ترتيب البيت الداخلي أولاً.

بقلم: ماركوس أشورث، كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج”

المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”