
هل أصبحت إيران ضعيفة بعد المواجهة الأخيرة مع الكيان؟
علاء الرضائي
سوف أبدأ من النهاية وحيث ينتهي التحليل.. بالعكس لقد ظهر للجميع أن إيران بعد العدوان الإسرائيلي – الأمريكي الأخير أصبحت أكثر قوة وأكثر مهابة في المنطقة والعالم. وهذا ما إنعكس على مواقف البلدان الأخرى من العدوان، حتى المتواطئة منها في السر مع الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية.
وقبل الخوض في تفاصيل هذا الاستنتاج، نشير إلى بشكل عابر الى مفهوم القوة في العلاقات الدولية، ليكون الحديث علميا وبعيدا عن المزايدات والصخب الاعلامي الذي تعتمده بعض القنوات العربية اليوم وهو جزء من الحرب على الجمهورية الاسلامية.
بينما يري ستيفن لوكس أن “القوة مرتبطة بتحديد الأجندة، للتأثير في سلوك الدول، ومِنْ ثَم لا تعني القوة بالضرورة الإكراه”. مع تجاوز مفهوم القوة الجانب العسكري ليشمل مضمونه جوانب أخرى متعددة للقوة مثل القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية ….. إلخ.
ولكن مهما تعددت مصادر القوة لا تكتسب وزناً الا بامتلاك القدرة والمقدرة لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، ولذلك عرفها روبرت دال “بأنها القدرة على جعل الآخرين يقومون بأشياء ما كانوا يقومون بها لولا ذلك”
وعلى هذا الاساس نقول:
أولاً، إيران اليوم من الناحية الداخلية أكثر تماسكاً من فترة ما قبل العدوان، فالجميع (إلا بعض الشواذ من العملاء والخونة وهم موجودون في كل المجتمعات والبلدان) يقفون خلف حكومتهم وقيادتهم السياسية.
وقد سمع العالم حتى أصوات بعض المعارضين النظام داخل ايران وخارجها في هذا الأمر وهم يدينون العدوان ويتهمون من يرضى به بالخيانة للوطن.
ثانياً، العام العالمي بالأغلب مع الموقف الإيراني، وهناك ربط بين جرائم الصهاينة في غزة والعدوان على إيران، أي أن حركة الاحتجاجات العالمية من شرق الأرض إلى غربها تهتف لإيران وضد المعتدين عليها.
ثالثاً، الموقف الإسلامي على المستوى الشعبي (باستثناء شذاذ الآفاق من وهابيين وبعثيين صداميين موتورين) مع الجمهورية الإسلامية، وقد عبروا عن فرحتهم بضرب إيران للكيان باعتبارها الدولة الوحيدة التي انتصرت لمظلومية الشعب الفلسطيني والتي دمرت ثلث تل أبيب الكبرى حسب المصادر الصهيونية.
أما على المستوى الرسمي فلا يوجد نظام لم يدن العدوان إلا بعض عملاء الصهاينة وجرائهم.
رابعاً، الموقف العسكري وهنا بيت القصيد، نعم ظهرت ثغرات كبيرة على مستويين:
الأول، الأمن الداخلي والاختراقات الصهيونية ولربما سنتحدث بصراحة عنها في مقال آخر.
والثاني الدفاعات الجوية التي ظهر عدم فاعليتها المرجوة لاسباب تقنية وأخرى يتعلق بالوضع الاقليمي وتبعة بعض البلدان والحكومات المحلية لامريكا واسرائيل.
وقد تم احتواء هذا الضعف الأول بحيث أصبحت الجبهة الداخلية لا تقارن حالياً بالوضع مع بدء العدوان، وذلك بفضل الله أولاً، ووعي الشعب الإيراني الوفي لحكومته وقيادته السيلسية،ثانياً.
أما الدفاعات الجوية فلربما تكون أخفقت في التصدي لهجمات الصهيونية كما كان مرجواً منها، لكن هذا الاخفاق لم يمنع من لملمة الجراح وإيجاد إمكانية الرد الذي أثلج قلوب المقاومين والأحرار في العالم، بما حقق سرعة رد مثالية لم تتجاوز 18 ساعة من نطلاقة العدوان ورغم الضربة التي تلقتها المؤسسة العسكرية على مستوى شخوصها وقياداتها.
إن ما حصل من توازن الرعب (الصاروخي) الذي فرضته الجمهورية الإسلامية جعل الصهاينة ينهارونه خلال 12 يوماً فقط من المعركة. لذلك سارعت “ماما أمريكا” للتدخل المباشر، بسبب عجز الكيان اللقيط عن اداء دوره، ومن ثم الى احتواء الموقف وإعلان وقف اطلاق النار. علماً ان ايران لم تستخدم الى الان كل امكانياتها والتي سيرى الاعداء جزءاً آخر منها اذا ما عاودوا عدوانهم، ولكن هذه المرة بشكل مختلف.
خامساً، ايران فرضت نفسها اقليمياً من خلال قصف القواعد الامريكية وشجاعة قيادتها السياسية في اتخاذ قرارات الرد العسكري المدمر، وهذا يحمل رسائل لكثيرين في المنطقة والعالم، مفادها ان البلد الذي لم يكن يمتلك صاروخاً واحداً ليرد به على صواريخ فروغ 7 العراقية الروسية الصنع خلال الحرب المفروضة من نظام صدام، أصبح يضرب اسرائيل والقواعد للأمريكية بصواريخ فرط صوتية ذات رؤوس حربية متعددة او انشطارية كما يسميها الخبراء العسكريون.
والأهم من ذلك كله عبر عن “شراسة الإيراني” في المواجة عندما يكون الأمر يتعلق بالوطن وسيادته وقيادته.
وأنه لا يأبه بمن يكون أمامه، حتى لو كان أقوى من في الأرض عسكرياً كما يقول ترامب.
هذا العدوان شاركت فيه قوى عظمى او هكذا تسمى نفسها وانظمة محلية عميلة، بينما لم يقف مع ايران أي نظام أو دولة، حتى روسيا التي لا يزال حبر معاهدة تعاون استراتيجي الموقعة معها لم يجف الى الان، بل تحولت الدولة الأقرب الى ايران الى ممر آمن للطائرات الصهيونية المهاجمة!
كما لم تطلب ايران المساعدة من أحد، وهذا يعني ان ايران لا ترى نفسها في مقابل بعض الانظمة في المنطقة التي تصور نفسها بانها قوية، في حين انها لا تزال تعتمد على الآخرين من قوى دولية او منظمات إرهابية في حماية نفسها وتنفيذ أجنداتها.
ومن هذه المنطلقات جميعاً، يذهب كثير من الخبراء الى أن إيران بعد العدوان الصهيوني اقوى بكثير جدا عما كانت عليه فيما سبق ذلك.
لقد انتهى زمن الصبر الاستراتيجي من عقلية صانع القرار الايراني، بالعكس ظهرت استراتيجية انا اسميها “الشراسة الحيدرية”، وقد شاهد العالم بعض آثارها في كيان الاحتلال خلال الايام الاخيرة من العدوان.. وهذا ما سيراه العالم بشكل أوسع وأوضح عند حصول أية حماقة صهيو-أمريكية أخرى.
خبير سياسي و مستشار إعلامي
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: