
كيف فاز السعودي البيوك على يانيك سينر المصنف العالمي الأول؟
> عبد العزيز البيوك من القلائل الذين تمكنوا من الفوز على اللاعب الإيطالي يانيك سينر المصنف الأول عالمياً حالياً… كيف شعرت بعد هذا الفوز؟ وهل تغيّر شعورك عندما علمت بمكانته الحالية في عالم التنس؟
– بصراحة، كانت تلك المباراة من المباريات التي لا تُنسى، وما زلت أذكر تفاصيلها بدقة حتى اليوم. كنت قد عدت لتوّي من إصابة مزمنة في الكتف، التي ما زلت أعاني منها حتى الآن. خلال المباراة، خسرْتُ المجموعة الأولى، ثم عدتُ بقوة وحققت الفوز بعد 3 ساعات ونصف الساعة ، وكنت أستشعر وقتها أن هذا اللاعب مختلف. مدربونا دائماً ما كانوا يؤكدون لنا أننا نملك الإمكانات للوصول إلى مستويات عالية، وهذه المباراة كانت بمثابة تذكير بذلك. لذا، لا أشعر بالفخر تحديداً لأني هزمت لاعباً مثل يانيك في ذلك الوقت، بل إنها لحظة واقعية أظهرت لي حجم الإمكانات التي يمكن أن نصل إليها إذا وُجدت البيئة المناسبة والثقة في النفس.
> ما الفرق بينك وبين يانيك سينر؟
– الفرق الجوهري في نظري هو التفرغ الكامل للتنس. هذه الرياضة تتطلب التزاماً كبيراً من ناحية الوقت والسفر والمصاريف، إذ يكون اللاعب بعيداً عن أسرته لفترات طويلة من السنة.
في عام 2015 التحقت بأكاديمية تنس في فرنسا لتطوير مستواي. التدريب كان ممتازاً، لكن الدراسة هناك كانت معقدة، وكانوا يشددون علي للمشاركة في بطولات خارجية.
بعد فترة، قررت العودة إلى السعودية والعمل مع مدرب خاص.
وأضاف: خلال تلك المرحلة، كنت أتغيب عن المدرسة لأكثر من 30 يوماً في السنة، ورغم ذلك لم يكن كافياً للوصول للمستوى المطلوب. تعرضت لإصابة في الكتف وقتها أثّرت على تقدمي وثقتي، وكنت قريباً جداً من دخول تصفيات بطولة أستراليا المفتوحة للناشئين عام 2017، حيث كنت على بُعد مركزين فقط من القرعة.
من الجانب المادي، التنس رياضة مكلفة جداً، وقد تصل تكاليفها إلى أكثر من 300 ألف ريال سنوياً. رغم أن والدي قدم لي كل الدعم الممكن، فإن هذا العبء يبقى كبيراً على أي أسرة. يضاف إلى ذلك أن الثقافة في مجتمعنا تميل إلى تشجيع الطلاب على إكمال تعليمهم الجامعي، بدلاً من خوض مسيرة رياضية قد تبدو محفوفة بالمخاطر.
رغم ذلك، حاولت الموازنة، وقررت الذهاب إلى الولايات المتحدة الأميركية للعب التنس الجامعي. ولكن، للأسف، اختياري للجامعة لم يكن موفقاً من ناحية التنس، مما أثر على استمراري وتطوري في هذا المجال، وجائحة «كورونا» في 2020 كان لها دور أيضاً.
بينما يانيك أذكر أنه وصل الحد الأقصى لعدد مشاركة البطولات للسنة في نصف 2017، وتقريباً عدد البطولات التي لعبها تلك السنة يساوي عدد البطولات التي لعبتها أنا على طول مسيرتي في الناشئين. فهذا بالطبع يصنع فارق في الخبرة.
> لماذا توقفت عن ممارسة رياضة التنس؟ وهل لا تزال مهتماً بها؟
– في الحقيقة، لم أتوقف عن اللعب بشكل كامل، وما زلت مهتماً جداً بالاستمرار في حال توفرت الفرصة المناسبة. واصلت ممارسة التنس خلال سنوات دراستي الجامعية في الولايات المتحدة، وتم اختياري كأفضل لاعب في الموسم الأخير لي، كما تم ضمي إلى فريق العام في دوري الجامعات الذي كنت أشارك به.
في عام 2023، قررت متابعة دراساتي العليا في جامعة مانشستر، ومع هذا القرار تغيّرت أولوياتي، فأصبحت الدراسة على رأس اهتماماتي في تلك المرحلة. حالياً، أمارس التنس بشكل ترفيهي، وأتابع العلاج اللازم لإصابتي في الكتف، لكن الرغبة في العودة للمنافسة لا تزال حاضرة وبقوة، متى ما توفرت الظروف المناسبة.
وعن الشخصيات الأكثر إلهاماً، أضاف البيوك: «من الأمور التي تلهمني شخصياً، أن جدي بدأ ممارسة التنس وهو في التاسعة والخمسين من عمره، ولا يزال يلعب حتى اليوم وهو في التاسعة والثمانين. وهذا دليل واضح بالنسبة لي أن الوقت لا يُشكل عائقاً، وأن العودة إلى الرياضة ممكنة في أي مرحلة، إذا ما توفر الشغف والإرادة».
> لو كنت مسؤولاً في اتحاد التنس السعودي ولديك مجموعة من المواهب الشابة كيف ستدعمهم وتعمل على إبراز قدراتهم؟
– أؤمن أن العنصر الأساسي في تطوير اللاعبين الصغار هو الاستمرارية، لذلك سأحرص على تنظيم بطولات محلية منتظمة على شكل دوري أسبوعي، يضمن لهم المشاركة المستمرة والاحتكاك التنافسي الدائم، لأن اللعب المستمر هو ما يصقل المهارة ويُحافظ على الجاهزية الذهنية والفنية، ويمكن أن تكون هذه البطولات بمثابة تصفيات مؤهلة لمستويات أعلى.
سأبدأ بدعمهم من سن مبكرة، وأضع لهم برامج متكاملة تُعنى بالجوانب كافة: الفنية، والبدنية، والنفسية. كثيراً ما يتم التقليل من أهمية الجانب الذهني في التنس، رغم أنه من وجهة نظري قد يكون العامل الأهم في مسيرة أي لاعب. ولهذا سأولي اهتماماً خاصاً بالتدريب الذهني من خلال مختصين في هذا المجال، بهدف ترسيخ مفاهيم مثل التركيز، والتحمل النفسي، وإدارة الضغوط التي تُعد من أساسيات التميز الرياضي.
ومن المهم كذلك أن تتمحور حياة اللاعب اليومية حول الرياضة. سأحرص على تعزيز قيم العناية بالجسد، والوقاية من الإصابات، والالتزام بنمط حياة احترافي منذ سن مبكرة، بما يضمن استدامة الأداء وتطور المستوى.
ولتحقيق كل ذلك، فإن توفير بنية تحتية رياضية متكاملة يُعد أمراً أساسياً. لا بد من إنشاء ملاعب داخلية وخارجية، وبأنواع مختلفة من الأرضيات، لأن التنوع في ظروف التدريب يُسهم بشكل مباشر في إعداد لاعب متكامل قادر على التكيف مع مختلف البيئات التنافسية.
كما سأعمل على إزالة أي عوائق قد تواجه اللاعبين، أكانت مرتبطة بالدراسة أو بصعوبة المشاركة في البطولات، مع توفير برامج تعليمية مرنة تمكّنهم من التوفيق بين مسيرتهم التعليمية والرياضية دون تنازل عن أي منهما.
وفي هذا السياق، لا يسعني إلا أن أشيد بالدور الكبير الذي تقوم به أكاديمية مهد الرياضية، التي تُعد من أبرز الجهات التي تعمل باحترافية عالية على تطوير المواهب الناشئة في السعودية، وهي نموذج يُحتذى به في هذا المجال.
> كيف ترى الاهتمام بالمواهب الشابة في رياضة التنس بالسعودية؟
– أرى أننا نسير في الطريق الصحيح، خصوصاً في ظل دعم القيادة ممثلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووزير الرياضة الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل. هناك اهتمام واضح، وأشخاص أكفاء يعملون في هذا المجال، وأعتقد أن الوصول للهدف مسألة وقت فقط قبل أن نرى لاعباً سعودياً ينافس على أعلى المستويات عالمياً.
> بماذا تريد ختام حديثك لـ«الشرق الأوسط»؟
– أود أن أسلط الضوء على شخصية أرى أن لها دوراً مهماً في مستقبل التنس في المملكة، وهو عمر عبده. رغم أنه ليس لاعباً، فإنه يمثّل المملكة في المحافل الدولية بأفضل صورة، من خلال عمله المتميز في رابطة لاعبي التنس المحترفين (آي تي بي). وجود أشخاص بهذه الكفاءة والخبرة مهم جداً لنقل صورة مشرفة عن الكفاءات السعودية في اللعبة، لنعزز حضورنا بالساحة العالمية.