
رانية مرجية: الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
رانية مرجية
لقد وضعتُ حظرًا على بعضهم. نعم، حظرتُ أصواتًا وأفكارًا وفِكرًا لا يُشبهني، ولا يشبه الإنسان فيّ. لم أفعلها من كبرياء، ولا من عُلوٍّ زائف، بل من صرخة داخلية تقول: “كفى! لقد أرهقني العنف المتنكر باسم الدين، وأخافني القبح المستتر خلف آيات الرحمة”.
أنا لا أعيش في صومعة، بل في قلب مجتمع نابض بالتناقضات. ولكن ما عدتُ أطيق أن أُغرق ذاتي في حوارات مع فكر داعشي همجي، يأسر النساء في قفص “السترة”، ويجلد الحُب باسم “الطهارة”، ويُكفّر العقل لأنه يخاف أن يُهزم أمامه.
لقد سئمتُ من كل من يُكفّر الآخر باسم الله، من أولئك الذين ينصّبون أنفسهم وكلاء على الجنة والنار، ويمنحون صكوك الغفران والموت دون أن ترتجف أعينهم من دمعة يتيم أو آهة أرملة.
أي دينٍ هذا الذي يذبح باسم العقيدة؟
وأي ربٍّ هذا الذي يُراد له أن يكره من خلقهم بيديه؟
هذا الفكر ليس مجرد رأي آخر أختلف معه، بل هو فخٌّ مظلم يُراد لنا أن نسقط فيه جميعًا، نساءً ورجالًا، أحياءً وأرواحًا.
أنا لا أحاور الظلام.
الظلام لا يُناقش، بل يُكسر بزجاج النور.
لا أريد أن أكون جسرًا لعبور الأفكار الظلامية إلى حديقة قلبي. أريد أن أحمي النور الذي فيّ، الحلم الذي لم يزل نابضًا بداخلي، الرغبة العميقة في أن أعيش بكرامة، بحرية، بسلام.
لقد تعبتُ من شعاراتهم التي تسيل منها رائحة الدم، من أعينهم التي ترى الجَمال فتتوجّس، من ألسنتهم التي تُصلّي وتلعن في الوقت نفسه، من منابرهم التي تُحرّض أكثر مما تُرشد.
إنه لمن التناقض المهلك أن نطالب بالتسامح مع من يزرع الكراهية، وأن نفتح صدورنا لمن يحمل خناجر فكرية تريد أن تذبح اختلافنا.
لذا… كان لا بد من الحظر.
ليس حظرًا على الإنسان، بل على اللاإنسانية التي تسكن بعضهم.
ليس قطيعة، بل حماية لذاتي، لسلامي، لأحلامي، ولكل نسمة حُرّة تأبى أن تُخنق تحت عباءة العبودية.
أنا لا أكرههم.
أنا فقط لا أسمح لهم أن يسكنوا عالمي.
أنا لا أُخاصمهم، لكنني لا أحتمل أن أُفني ما تبقى من إنسانيتي في محاولة إقناع من لا يؤمن إلا بالإقصاء والدم والنار.
أنا أختار أن أُصغي لما يُثمر فيّ، لما يرفعني، لما يحتفي بالاختلاف كأجمل ما فينا.
الحياة قصيرة، والأرواح عطشى للنور.
فدعوني أعيش كما أؤمن…
بلا ظلام… بلا قيد… بلا داعش… ولا تكفير.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: