البرلمان البريطاني يحظر مجموعة «العمل من أجل فلسطين»

البرلمان البريطاني يحظر مجموعة «العمل من أجل فلسطين»

«تتار القرم» يخشون التنازل عن وطنهم لروسيا في أي اتفاق سلام

عندما عبرت الأوكرانية ليني عمروفا إلى روسيا في طريقها لزيارة والدها المريض، بموطنها الأصلي شبه جزيرة القرم في أواخر 2022، احتجزتها السلطات وأجبرتها على تحمل ما وصفته بأنه «دوامة» من الاتهامات وعمليات النقل بين السجون لفترة استمرت لما يقرب من عامين.

الأوكرانية ليني عمروفا من تتار القرم (رويترز)

وتحولت هذه المحنة، التي شملت فترات من الحبس الانفرادي، إلى تجسد لشعور بالصدمة في جيل بأكمله بالنسبة لعمروفا البالغة من العمر 27 عاماً، والمنتمية لمجتمع تتار القرم، وهم السكان الأصليون لشبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في 2014.

وقالت عمروفا: «كان الأمر صعباً للغاية لأنني كنت وحدي في زنزانتي باستمرار وحاول (الروس) مراراً ملء عقلي وتلقيني بدعاياتهم». وواجهت في البداية اتهامات إدارية ثم اتهامات بالتجسس، وهي اتهامات نفتها جميعاً.

تتار القرم يرفضون الحديث عن التنازل عن شبه الجزيرة لروسيا

نشأت عمروفا وهي تستمع إلى قصص من جدتها عن كيفية ترحيل عائلتها في 1944، مع مئات الآلاف من تتار القرم، إلى آسيا الوسطى البعيدة بناء على أوامر الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين، بتهمة التواطؤ مع النازيين، رغم قتال عدد من التتار بمن فيهم جدها الأكبر في صفوف الجيش الأحمر.

ناشط يرتدي وشاحاً عليه رمز تتار القرم في أثناء حضوره مسيَّرة ضد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في العاصمة الأوكرانية كييف عام 2017 (أ.ب)

ومات الآلاف بسبب المرض أو الجوع، ولم يسمح للتتار بالعودة إلى شبه جزيرة القرم إلا في ثمانينات القرن الماضي. والآن، تخشى عمروفا من أن يتم الاعتراف بالقرم جزءاً من روسيا في إطار اتفاق سلام نهائي مع أوكرانيا، وهو سيناريو أشارت إدارة ترمب في الولايات المتحدة إلى احتمال حدوثه.

وقالت عمروفا: «لسنوات طويلة، يلحق العدو نفسه الأذى بعائلتنا… إن لم نكافح الآن ونتغلب على هذا، فأين الضمانات بأن أبنائي أو أحفادي لن يتعرضوا للمعاملة ذاتها؟».

مجموعة عرقية تشكل أقلية وتتهم روسيا بقمع الحقوق

ويحضرها دوماً مثال جدتها، التي رفضت التحدث باللغة الروسية عندما كانت عمروفا صغيرة، وغمرت العائلة في الثقافة واللغة التتارية.

والرسالة تلخصت في التالي «مهما حدث، يجب علينا العودة إلى شبه جزيرة القرم».

زعيم تتار القرم مصطفى دزيميليف (أرشيفية)

عادت عمروفا إلى كييف بعد أن أطلقت روسيا سراحها في صفقة تبادل أسرى في سبتمبر (أيلول). ورغم معاناتها، فإنها لا تزال تأمل أن يتمكن التتار، المنتمون لعرقية الترك ويعتنقون المذهب السني من الإسلام، من العيش بحرية مرة أخرى في شبه جزيرة القرم وهي أوكرانية.

وأضافت: «كل يوم، وكل عام… تعيش مع الحلم أنه الآن… الآن سيتعاملون مع هذا الأمر ويعيدون شبه جزيرة القرم… وهذا ما سيحدث، أنا متأكدة من هذا بنسبة مائة في المائة».

روسيا لن تتزحزح

لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال إن أي تسوية لإحلال السلام في أوكرانيا يجب أن تتضمن الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم وأربع مناطق أوكرانية أخرى.

وتنفي موسكو ما تؤكده كييف أنها تنتهك حقوق التتار وغيرهم من السكان في شبه جزيرة القرم. وتصر روسيا على أن المنطقة تابعة لها تاريخياً.

وأشارت بعثة الرئيس الأوكراني إلى جمهورية القرم المتمتعة بحكم ذاتي، إلى أن هناك نحو 133 سجيناً من تتار القرم تحتجزهم روسيا بصورة غير قانونية.

وقالت عمروفا، في إشارة إلى المعتقلين من التتار وعشرات الآلاف الذين ما زالوا يعيشون في شبه جزيرة القرم المحتلة، إن إعطاء شبه جزيرة القرم لروسيا هو «بمثابة البصق في وجوه هؤلاء».

موسكو ضمت شبه جزيرة القرم في 2014 لكن كييف تريد استعادتها

ووقت ضم روسيا للمنطقة، كان تتار القرم يشكلون نحو 12 في المائة من سكان شبه الجزيرة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة تقريباً. ورفضوا الاحتلال الروسي وقاطعوا استفتاء أجري آنذاك. وتشير تقديرات قادة المجتمع إلى أن نحو 50 ألفاً منهم غادروا منذ 2014 لكن الأغلبية بقوا هناك.

وقالت لطفية زوديفا الناشطة في مجال حقوق تتار القرم والصحافية التي تعيش هناك، إن روسيا أخضعت مجتمعها لما وصفته بأنه «الإدماج النشط».

وأضافت: «بالطبع، اليوم في شبه جزيرة القرم يمكنك الغناء باللهجة التترية القرمية والرقص على الرقصات القومية، لكن الناس لا يتمتعون بأي تمثيل سياسي».

وتعترف معظم دول العالم بشبه جزيرة القرم على المستوى الدولي بعدّها جزءاً من أوكرانيا، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، rhg لمجلة «تايم» في أبريل (نيسان)، إن «شبه جزيرة القرم ستبقى تابعة لروسيا».

قضية التنازل المحتمل عن بعض الأراضي تتصدر المشهد

وبموجب مقترحات السلام التي أعدها ستيف ويتكوف مبعوث ترمب، ستعترف الولايات المتحدة بحكم القانون بسيطرة موسكو على شبه الجزيرة. إلا أن الجانبين لم يحرزا تقدماً يذكر في محادثات السلام منذ أبريل.

لقطة من فيديو استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ناريمان غيليال أحد زعماء تتار القرم (أرشيفية)

ويحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مقاومة ضغوط ترمب للتنازل عن أراض لروسيا في إطار أي تسوية سلمية، وأشار إلى قضية عمروفا مثالاً على ما يقول إنه قمع موسكو لتتار القرم.

وبالنسبة للمغنية الأوكرانية جمالا، التي فازت بمسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» في 2016 بأغنيتها 1944 التي تتحدث عن ترحيلات عهد ستالين، فإن أي حديث عن الاعتراف القانوني بشبه جزيرة القرم بعدّها روسية «جنون».

وقالت جمالا لوكالة «رويترز»: «إذا قالت دولة مثل أميركا إنها ليست مشكلة كبيرة… دعونا ننس الأمر ونمضي قدماً، فلن تكون هناك أي ضمانات في العالم».