رامي مصطفى يكتب: المباني الذكية والمستدامة.. ركيزة مصر للتحول نحو المستقبل – newnews4

رامي مصطفى يكتب: المباني الذكية والمستدامة.. ركيزة مصر للتحول نحو المستقبل – newnews4

لطالما شكّل قطاع البناء تحديًا استراتيجيًا عالميًا، لا سيما فيما يتعلق بالاستدامة، والكفاءة التشغيلية، والمرونة في مواجهة الأزمات. فالمباني تستهلك ما يقرب من 30% من الطاقة عالميًا، وتُسهم بنحو 40% من الانبعاثات الكربونية، بينما يُهدر ما يزيد على 30% من الطاقة داخلها.

كما تنتج كميات كبيرة من النفايات الصلبة خلال مراحل البناء والتشغيل، وهو ما يجعلها في قلب التحديات البيئية الكبرى، علاوة على ذلك، تفتقر نسبة كبيرة من المباني إلى أنظمة ذكية قادرة على التفاعل مع المستخدمين والبيئة، في وقت يقضي فيه الإنسان نحو 90% من وقته داخل تلك المساحات، مما يجعل تطويرها ضرورة بيئية واجتماعية واقتصادية في آن واحد.

أمام هذه التحديات، من غير المجدي الاستمرار في استخدام الأساليب التقليدية في تصميم وإدارة المباني، نحن بحاجة إلى تحول جذري في فلسفة البناء والعمران، يتبنى التكنولوجيا والابتكار كوسائل لتحقيق الاستدامة، ويأخذ بعين الاعتبار التكامل بين الأبعاد البيئية والتشغيلية والاجتماعية.

هذا التحول لا يجب أن يكون رفاهية أو توجهًا نظريًا، بل ضرورة تستوجبها المعطيات الحالية. فمباني اليوم يجب أن تكون ذكية، خضراء، مرنة، ومصممة لاستيعاب المتغيرات المستقبلية، مناخيًا واقتصاديًا وسكانيًا.

تحقيق هذه الرؤية يتطلب إعادة تعريف دور المباني، لم تعد مجرد هياكل صلبة، بل باتت أنظمة حية تتطلب إدارة ذكية للطاقة والمياه والموارد، وإعادة تصميم يراعي تقليل الانبعاثات، وتوفير بيئة صحية وآمنة للمستخدم.

في هذا السياق، تصبح الرقمنة والتحول الكهربي (Electrification) عنصرين أساسيين في هذا التوجه، من خلال دمج حلول تكنولوجية تتيح مراقبة الأداء، وتحسين الكفاءة، وخفض التكاليف البيئية والمادية على المدى الطويل.

ولبناء مبانٍ قادرة على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، يجب أن تستند إلى أربعة مبادئ رئيسية:

أولًا: الاستدامة، عبر ترشيد استهلاك الموارد، واستخدام الطاقة المتجددة، وتقليل التأثير البيئي.

ثانيًا: المرونة، من خلال تطوير أنظمة يمكنها التكيف مع الأزمات والتقلبات.

ثالثًا: الكفاءة التشغيلية، عبر تحسين إدارة الطاقة والمساحات، ما يؤدي إلى تقليل الفاقد وزيادة الإنتاجية.

رابعًا : التمحور حول الإنسان، بتوفير بيئة داخلية مريحة وآمنة، تدعم الصحة الجسدية والنفسية للمستخدم.

هذه المبادئ تُطبق فعليًا في مشاريع حقيقية على أرض الواقع. ففي مصر، تشهد الدولة تحولًا واضحًا نحو بناء مدن ذكية، وفق رؤية طموحة لإنشاء 38 مدينة ذكية بحلول عام 2050، تضم العاصمة الإدارية الجديدة، العلمين الجديدة، الجلالة وغيرها.

وفي هذا الإطار، أسهمت “شنايدر إلكتريك” في توفير بنية تحتية رقمية متقدمة في عدد من هذه المدن، بالشراكة مع جهات حكومية وخاصة.

في “شنايدر إلكتريك”، نؤمن بأن التحول الرقمي يجب أن يغطي دورة حياة المبنى كاملة، بدءًا من مرحلة التصميم، مرورًا بالبناء، وحتى التشغيل والصيانة. عبر حلول مثل منصة EcoStruxure، نوفر أدوات متكاملة لإدارة الطاقة، والأمان، والعمليات التشغيلية، تتيح مستويات عالية من الكفاءة والتجاوب مع المتغيرات.

كما تُمكّن برمجيات مثل AVEVA أصحاب المصلحة من اتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات دقيقة وفورية، مما يسهم في رفع الكفاءة وتقليل الانبعاثات وتحسين أداء المبنى بشكل عام.
هذا النهج ليس مقصورًا على التكنولوجيا فقط، بل يتطلب أيضًا تغييرًا في طريقة التفكير، وتعاونًا بين الجهات الحكومية والخاصة، وبين القطاعات المختلفة، لتحقيق بيئة عمرانية متكاملة تضع الإنسان والبيئة في قلب اهتماماتها.

الهدف ليس فقط تقليل الانبعاثات أو خفض الفواتير، بل تطوير نموذج عمراني يُسهم في تحسين جودة الحياة، وزيادة الإنتاجية، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد.
إن الحملة التي نستعد لإطلاقها تحت عنوان “مباني المستقبل” تهدف إلى تعزيز هذا المفهوم، من خلال دعم أصحاب القرار والمطورين العقاريين والمهندسين بحلول واضحة وفعالة.

هذه ليست دعوة لاعتماد تقنيات جديدة فقط، بل لحوار مفتوح حول دور المباني في التنمية، وكيفية تحويلها من عناصر مستهلكة للطاقة إلى كيانات منتجة ومستدامة تواكب تطلعات المجتمع وتحديات المستقبل.

في النهاية، تمثل المباني نقطة انطلاق نحو تحقيق تحول حضري شامل، يوازن بين احتياجات التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، ويضع الإنسان في صميم المعادلة، وإذا ما أردنا تحقيق أهداف الاستدامة طويلة المدى، فإن تطوير مبانٍ ذكية ومستدامة لم يعد خيارًا، بل ضرورة نخطو بها بثبات نحو مستقبل أفضل.

بقلم:
رامي مصطفى، نائب رئيس الشركة لقطاع المباني والتوزيع وقطاع المشروعات بشركة شنايدر إلكتريك شمال شرق أفريقيا والمشرق العربي