«أموال الدولة والأحزاب» تشعل التنافس الانتخابي في العراق

«أموال الدولة والأحزاب» تشعل التنافس الانتخابي في العراق

شدد التحالف الحاكم في العراق على إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في موعدها، وفي حين تشتد المنافسة بين القوى السياسية مبكراً، انطلق سجال محتدم حول استخدام المال السياسي في حملات المرشحين، بما في ذلك موارد الدولة.

ويقول مراقبون إن تأكيد «الإطار التنسيقي» الشيعي على موعد الانتخابات ربما يرتبط بخلافات سياسية حول إجرائها في التوقيت المحدد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025.

واجتمع قادة التحالف الشيعي، بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، مساء الاثنين، في العاصمة بغداد. وقال بيان صحافي عن الاجتماع: «نجدد التأكيد على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد».

ودعا التحالف «العراقيين إلى تحديث البطاقات الانتخابية البايومترية، والمشاركة الواسعة والفاعلة والواعية في الانتخابات».

واهتم محللون سياسيون بحضور السوداني في الاجتماع، الذي يتهمه «الإطار التنسيقي» باستخدام أموال الدولة لصالح حملته الانتخابية، بينما يتهم مقربون من رئيس الحكومة حلفاءه الشيعة بالتضييق عليه لمنعه من ولاية ثانية.

ويفضل محللون عراقيون مهتمون بمراقبة الحملات الانتخابية وصف الاقتراع المقبل في العراق بأنه «الأهم والأخطر» منذ عام 2003. ويقول هؤلاء إن الاستحقاق الدستوري ربما يعكس تغيّرات سياسية على وقع تغيّرات أكبر في المنطقة والعالم.

وتصاعد الجدل أخيراً، مع اندلاع أزمة بين بغداد وأربيل في أعقاب قرار وزارة المالية الاتحادية بقطع الرواتب عن موظفي إقليم كردستان. ويقول محللون مؤيدون للحكومة إن «طرفاً شيعياً يريد عقد تحالف مع الكرد من شأنه تجديد ولاية ثانية للسوداني».

وفي بيانه الأخير، دعا «الإطار التنسيقي» إلى «التعامل مع كل قضية وطنية وفقاً للدستور والقوانين الحاكمة، مؤكداً حرص الحكومة الاتحادية على حقوق مواطنيها كافة، وسعيها الجاد لرفع جميع العوائق».

ومن وجهة نظر التحالف، فإن «تشريع مجلس النواب لقانون النفط والغاز هو جوهر الحل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل».

ومنذ عام 2007، يحاول البرلمان العراقي التصويت على القانون، الذي قُدّم بتشجيع من الولايات المتحدة، لكن دون جدوى بسبب خلافات سياسية وفنية عميقة.

صورة وزَّعها «الإطار التنسيقي» لأحد اجتماعاته في بغداد

مال الدولة… مال الأحزاب

وفي الاجتماع الأخير الذي عُقد بمنزل عمار الحكيم، أحد قادة التحالف الشيعي، حذر «الإطار التنسيقي» من «استخدام المال السياسي في التأثير على الرأي العام».

وتزامن التحذير مع سيل من المعلومات المتداولة في الإعلام المحلي ومواقع التواصل الاجتماعي عن مرشحين يقدمون «هدايا» لشرائح من الناخبين المحتملين.

وبحسب منشورات ومقاطع فيديو – لم يتسنَّ التأكد من صحتها من مصادر مستقلة – فإن مرشحين بدأوا بتوزيع «مبردات هواء» على ناخبين في مناطق متفرقة، كما أن بعضهم وزع منحاً مالية عليهم.

وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قد سمح لأنصاره بتسلّم «الهدايا من الحملات الانتخابية»، وقال الأسبوع الماضي، في بيان صحافي: «يحق للفقراء والمحتاجين أخذ ما يُوزّع، حتى من الفاسدين، بشرط عدم التصويت لهم ولا إعطائهم البطاقة الانتخابية».

وتُصنّف الكتل السياسية مرشحيها للانتخابات على أساس سقف الإنفاق. وقال الباحث سيف السعدي إن المرشحين يُقسّمون إلى «المرشح الذهبي، السوبر، الممتاز، والمرشح العادي، ولكل منهم سعره الذي يتراوح بين 10 مليارات دينار عراقي للذهبي إلى 300 مليون دينار للعادي وهكذا».

وأوضح السعدي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحشيد الانتخابي للدورة النيابية السادسة بدأ مبكراً بأسلوب مختلف وأدوات جديدة من أجل الحصول على أصوات الناخبين مهما كلف الثمن، ويفترض على أحزاب السلطة الالتزام بتعليمات المفوضية فيما يخص الدعاية الانتخابية كما أشارت المادة (24) من قانون الانتخابات رقم (12 لسنة 2018) المعدل».

ورأى الأكاديمي يحيى الكبيسي أن «المال السياسي في العراق جزء من بنية الفساد التي تحكم النظام السياسي العراقي». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإنفاق الضخم مصدره المال العام الذي يتحصل عليه السياسيون من خلال تمثيلهم في السلطة التنفيذية كوزراء أو وكلاء وزارات أو رؤساء هيئات أو مديرين، أو من خلال الأموال التي يحصلون عليها كوسطاء بين مقاولين ورجال أعمال والسلطة التنفيذية، فضلاً عن هيمنتهم على المحافظات وتخصيصاتها المالية».

وتابع الكبيسي: «نتحدث عن مئات المليارات من الدولارات يحصل عليها الفاعل السياسي كل سنة، وهذا المال يُعاد تدوير قسم منه خلال الانتخابات كنوع من الاستثمار لضمان تمثيل أكبر في السلطة التشريعية».

وعن طبيعة التنافس الانتخابي هذا الموسم، حدد ياسين البكري، وهو أستاذ العلوم السياسية في كلية النهرين، 6 عوامل حفّزت من هذا التحشيد هي: «صعود طبقة سياسية شابة، وفشل الطبقة السياسية الحالية، انسحاب التيار الصدري، التغيير في سوريا، نمو قدرات تركيا الجيوسياسية وتراجع إيران وبروز السوداني».

وقال البكري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «عوامل سياسية داخلية وإقليمية ضاغطة عززت مخاوف الأحزاب فنشطت انتخابياً بوقت مبكر عبر ضخ المال السياسي الانتخابي بشكل أكبر، ونشطت عبر التسقيط المبكر».