
تشهد مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية منذ أكثر من عشر سنوات، في ظل تفاقم الوضع الغذائي والصحي، خاصة في صفوف النساء والأطفال، حسب ما أكدته وكالات أممية في بلاغ مشترك صدر هذا الأسبوع.
ووفق البيان الذي أعقب اجتماعا عقدته وكالات الأمم المتحدة بالجزائر مع عدد من الجهات المانحة الدولية، فقد بلغ معدل سوء التغذية الحاد في المخيمات 13.6%، متجاوزًا عتبة الطوارئ المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية، في حين يعاني طفل من كل ثلاثة من التقزم، وقرابة 70% من النساء في سن الإنجاب من فقر الدم، وسط ضعف واضح في التنوع الغذائي لدى غالبية العائلات.
وقالت سافينا أماساري، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الجزائر، إن ما يحدث يشكل “أسوأ أزمة تغذية تشهدها هذه المخيمات خلال أكثر من عقد”، مضيفة أن آلاف النساء والأطفال باتت حياتهم مهددة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية.
ورغم استمرار المساعدات الإنسانية لعقود، إلا أن الأوضاع في مخيمات تندوف تزداد تدهورا، ما يثير علامات استفهام حول مصير هذه المساعدات، وسط اتهامات متكررة لجبهة “البوليساريو” باختلاس الدعم وبيعه في الأسواق، بدلا من توجيهه للمحتاجين.
وبحسب التقرير الأممي المشترك الصادر عن مفوضية اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، واليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، فإن خطة الاستجابة الإنسانية لسنة 2025 تواجه عجزًا تمويليا كبيرا، حيث لم يغط سوى 34% من أصل 103.9 ملايين دولار مطلوبة، ما يهدد استمرارية تدخل وكالات الإغاثة في المنطقة.
من جانبه، أقر يحيى بوحبيني، رئيس ما يعرف بـ”الهلال الأحمر الصحراوي”، بأن الأزمة تفاقمت في السنوات الأخيرة، لافتا إلى أن تكاليف المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير، وأن الموارد المتاحة لم تعد كافية لتلبية الحاجيات الأساسية.
لكن رغم هذا الإقرار، تواصل قيادة “البوليساريو” تحميل المجتمع الدولي المسؤولية، متجنبة مساءلة السلطات الجزائرية، التي تتحكم في مرور وتوزيع المساعدات، كما ترفض الانخراط في أي حل سياسي مع المغرب من شأنه إنهاء معاناة آلاف المحتجزين في المخيمات.
ويعتبر مراقبون أن الوضع الحالي يكشف عن عجز هيكلي في تدبير الشأن الإنساني من طرف “البوليساريو”، ويضع الخطاب الرسمي الجزائري محل مساءلة، خاصة في ظل استمرار الانتهاكات وحرمان السكان من أبسط حقوقهم، وعلى رأسها حرية التنقل.
وفي سياق متصل، كشف منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف “فورساتين” عن معطيات صادمة، تتعلق باستغلال قيادة الجبهة للمساعدات الدولية في مشاريع شخصية، أبرزها تشييد قصر فاخر لما يعرف بزعيم الجبهة، إبراهيم غالي، في منطقة الرابوني، بتمويل جزائري ودعم من شبكات مشبوهة.
وأوضح المنتدى أن القصر، الذي يوصف بـ”الرئاسي”، يتم تشييده في وقت تعاني فيه ساكنة المخيمات من الجوع وسوء التغذية، ما يعد مفارقة صارخة، ويطرح تساؤلات حول تواطؤ الجهات المانحة التي تغدق الأموال دون مراقبة مساراتها.
وأضاف “فورساتين” أن هذا القصر يضم قاعات استقبال فاخرة وقاعة للحفلات، ويستخدم كمعزل للقيادة بعيدا عن السكان، في وقت تتزايد فيه مشاعر السخط والاحتقان داخل المخيمات.
ويثير هذا الوضع تساؤلات جدية بشأن استمرار تدفق الدعم الدولي في ظل غياب الشفافية والمحاسبة، فيما يستمر آلاف اللاجئين في مواجهة مصير مجهول، محرومين من الغذاء والكرامة، وممنوعين من العودة إلى وطنهم أو اختيار مستقبلهم بحرية.