السلوك الإجرامي قد يرتبط بإصابات في الدماغ

السلوك الإجرامي قد يرتبط بإصابات في الدماغ

على مدى العقود الماضية، قام بعض المحامين باستخدام فحوصات تصوير الدماغ دليلاً خلال المحاكمات الجنائية، لتقديم تفسير محتمل للسلوك الإجرامي للمتهمين. وقد برر ذلك دراسات حديثة في علم الأعصاب، والتي وجدت أن بعض مرتكبي الجرائم يُظهرون اختلافات في أجزاء محددة من الدماغ. ومع ذلك، يبقى سؤال رئيسي: هل هذه التغيرات الدماغية سببية أم عرضية للسلوك؟

للإجابة عن هذا السؤال، قام باحثون في مستشفى بريغهام والنساء، وكلية الطب بجامعة هارفارد، ومعاهد أخرى بالولايات المتحدة، بتحليل مواقع إصابات الدماغ المرتبطة بارتكاب السلوك الإجرامي.

ووجدوا أدلة تشير إلى أن الإصابات في مسار محدد من المادة البيضاء – شبكة من الألياف العصبية تربط بين مناطق مختلفة من الدماغ – قد تكون مرتبطة سببياً بسلوك الأفراد الذين يبدأون بارتكاب الجرائم بعد الإصابة.

ويمكن أن تُسهم نتائج الباحثين المنشورة في مجلة «موليكيلر سايكاتري» المعنية بأبحاث الطب النفسي الجزيئي، في توجيه الممارسات القضائية والطبية المستقبلية، مما يُساعد المحامين والقضاة وأطباء الأعصاب في تحديد الأفراد الذين ربما دُفعوا لارتكاب جرائم، نتيجة إصابات أو سكتات دماغية أو أمراض دماغية أخرى.

وكما صرح الدكتور إشعياء كليتينيك، المؤلف الرئيسي للدراسة، لموقع «ميديكال إكسبرس»: «خلال تدريبي في علم الأعصاب السلوكي، أتيحت لي فرصة فريدة لتقييم المرضى الذين بدأوا بارتكاب أعمال عنف مع ظهور أورام في المخ أو أمراض تنكسية».

كانت إصابة الدماغ في وصلة دماغية محددة النتيجة الأكثر ثباتاً لدى من طوروا سلوكاً إجرامياً (مستشفى بريغهام والنساء)

وفي حين أنه من المُسلّم به عموماً أن إصابة الدماغ قد تُؤدي إلى مشاكل في الذاكرة أو الوظائف الحركية، فإن دور الدماغ في توجيه السلوكيات الاجتماعية، مثل الإجرام، أكثر إثارة للجدل نظراً لملامسته لمفاهيم المسؤولية الأخلاقية والإرادة الحرة.

وكما أوضح كليتينيك في بيان نشر الثلاثاء: «أثارت هذه الحالات السريرية فضولي في فهم الأساس الدماغي لاتخاذ القرارات الأخلاقية، ودفعتني إلى تعلم تقنيات جديدة للتصوير العصبي الشبكي».

وكان الهدف الرئيسي من الدراسة الحديثة التي أجراها كليتينيك وزملاؤه هو تحديد أنماط محددة لإصابات الدماغ المرتبطة بالسلوك العنيف والإجرامي، خصوصاً لدى الأفراد الذين كانوا سابقاً غير عدوانيين وملتزمين بالقانون.

ولكشف هذه الأنماط، درسوا حالات سريرية نادرة، تحديداً تلك الخاصة بمرضى بدأوا بارتكاب جرائم بعد إصابة دماغية.

نتيجة مثبتة

وكانت إصابة الدماغ في وصلة دماغية مُحددة، وهي العضلة ذات الشق الأيمن في الدماغ، هي النتيجة الأكثر ثباتاً بين أولئك الذين طوروا سلوكاً إجرامياً، خصوصاً الجرائم العنيفة.

وأوضح كليتينيك: «رسمنا خرائط لمواقع إصابات الدماغ من 17 حالة إجرام ناجمة عن إصابات، وحساب الروابط الهيكلية من أطلس دماغي كبير مُستمد من 178 حالة ضابطة سليمة».

وأضاف: «ثم قارنا الروابط المرتبطة بالإجرام بـ706 إصابات دماغية ضابطة من إصابات دماغية مرتبطة بأعراض أخرى مثل فقدان الذاكرة أو الاكتئاب».

وعندما حللوا بيانات التصوير للمرضى السبعة عشر وقارنوها ببيانات أفراد ليس لديهم تاريخ إجرامي، اكتشف كليتينيك وزملاؤه نمطاً من إصابات الدماغ يبدو أنه الأكثر ارتباطاً بظهور السلوك الإجرامي، خصوصاً الجرائم العنيفة. وقد اتسم هذا النمط بإصابات في مسار محدد من المادة البيضاء يربط مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة المشاعر بمناطق أخرى تشارك في صنع القرار.

وقال كليتينيك: «غالباً ما يُطرح سؤالٌ في قاعة المحكمة حول ما إذا كانت إصابة دماغية مُحددة في المادة البيضاء، تُحدد في مسح الدماغ، عرضيةً أو مُرتبطةً أو سببيةً لسلوكٍ ما».

وتابع: «تُشير نتائجنا إلى أنه إذا أُصيب شخصٌ ما بإصابة دماغية في مواقع مُحددة من المادة البيضاء، وبدأ سلوكاً إجرامياً جديداً، فهناك احتمالٌ مزدادٌ أن تلعب الإصابة دوراً سببياً في هذا السلوك».