
في وقت تتصاعد فيه المخاوف العالمية من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تزييف المحتوى الرقمي، برزت شركة مصرية ناشئة تحمل اسم “ريد إيه آي”، تطوّر حلولًا تقنية متقدمة للكشف عن المحتوى المُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي، خاصة تقنية “الديب فيك” ، بهدف حماية المؤسسات الإعلامية والمالية والحكومية من مخاطر التضليل الرقمي وتزوير البيانات البصرية والسمعية.
قال محمد منير، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، في تصريحات خاصة لـ”البورصة”، إن “ريد ايه آي” تعمل حاليًا على تطوير لوحة تحكم ذكية تُمكّن المؤسسات من التأكد من أصالة المحتوى المرئي والمسموع الذي تتعامل معه يوميًا، وهو ما يمنح تلك الجهات أدوات فعالة لمواجهة الموجة المتصاعدة من التزييف الرقمي الذي بات يهدد مصداقية وسائل الإعلام، وسلامة البيانات المالية، وأمن المعلومات داخل المؤسسات الحكومية.
أضاف أن هذا التوجه يتماشى مع التطورات العالمية التي بدأت تشهد تشريعات وتنظيمات حاسمة تجاه المحتوى المزيف، خاصة في أوروبا، إذ تفرض بعض الدول مثل إسبانيا غرامات ضخمة على الشركات التي تنشر أو تتداول محتوى مُزيّف، تصل إلى نحو 36 مليون يورو، أو ما يعادل 7% من إجمالي الإيرادات العالمية لتلك الشركات، وهو ما يخلق حاجة ماسة داخل الأسواق الناشئة لتبني أنظمة حماية وتحقق من نوعية المحتوى.
أوضح منير أن “ريد إيه آي” تأسست قبل نحو عام فقط، من خلال ثلاثة مؤسسين لا يزالون طلابًا في المرحلة الجامعية، إذ بدأت الفكرة كمشروع بحثي مشترك، ثم تحولت سريعًا إلى كيان حقيقي بعد إدراك حجم الفجوة التي تعاني منها المؤسسات في التحقق من مصداقية المحتوى الرقمي، لا سيما في ظل التقدم المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتابع :” بفضل عمل الفريق وتكامل تخصصاته في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل الصور والصوت، تمكنوا من تطوير نموذج أولي للمنصة في وقت قياسي، ما أهلنا للمشاركة في عدد من الفعاليات الدولية، من أبرزها مسابقة جيتكس في دولة الإمارات”.
ولفت إلى أنهم حصلوا على إشادة واسعة بعد تصدرهم نتائج المسابقة على مستوى الشركات الناشئة في فئتهم واقتناص المركز الأول، وكان ذلك بمثابة شهادة ثقة مبدئية أهلتهم لاحقًا للانضمام إلى برنامج المسرّعات العالمي الشهير “بلاج آند بلاى”.
أشار منير، إلى أن انضمام الشركة لهذا البرنامج شكّل نقلة كبيرة في مسار الشركة، حيث حصلت على أول استثمار مؤسسي ضمن جولة التمويل التمهيدية من المسرّع ذاته، كما استفادت من التوجيه والدعم الفني الذي يوفره البرنامج لرواد الأعمال في مراحل النمو المبكرة، خاصة في المجالات التقنية فائقة التخصص.
وأضاف أن الشركة دخلت حاليًا في مرحلة تجارب فعلية بالتعاون مع عدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى، من أجل اختبار كفاءة النظام في التحقق من أصالة المحتوى المصور والمسموع قبل النشر أو التداول، مؤكدًا أن ردود الفعل المبدئية كانت إيجابية، وهناك توجه لتوسيع قاعدة الاستخدام ليشمل قطاعات أخرى، على رأسها القطاع المالي والمؤسسات الحكومية.
الشركة تخطط للتوسع في منطقة الخليج وأفريقيا
وأوضح منير أن “ريد إيه آى” تستهدف في المرحلة المقبلة التوسع في السوق المصري، بالتوازي مع التوسع في أسواق منطقة الخليج العربي، وتحديدًا السعودية والإمارات، التي وصفها بأنها الأكثر وعيًا وتفاعلًا مع قضايا الحماية الرقمية والتكنولوجيا التنظيمية، كما تضع الشركة خطة طويلة المدى للوصول إلى أسواق واعدة أخرى في شمال أفريقيا، مثل المغرب، بالإضافة إلى قطر والبحرين، ثم جنوب شرق آسيا وأوروبا، خاصة الدول التي تبنت بالفعل تشريعات حازمة بشأن محاربة التزييف الرقمي.
وعن فريق العمل، أشار منير إلى أن الشركة تضم حاليًا ثمانية أفراد، هم ثلاثة مؤسسين وخمسة موظفين بدوام كامل، يجمعون بين تخصصات هندسية وتقنية متنوعة، تشمل الذكاء الاصطناعي، وهندسة البرمجيات، وتحليل الصور والفيديو، بالإضافة إلى مهارات في إدارة البيانات والامتثال التنظيمي، مؤكدًا أن التركيز الحالي ينصب على بناء منتج قابل للتوسع التجاري مع الحفاظ على الدقة والامتثال لمعايير حماية البيانات والخصوصية.
واعتبر منير أن أكبر التحديات التي تواجه الشركة ليست فنية، وإنما تتعلق بضعف الوعي داخل السوق المحلية حول خطورة المحتوى المزيف، مشيراً إلى أنه في مصر والمنطقة العربية عمومًا لا يزال كثيرون يعتبرون محتوى الذكاء الاصطناعي مجرد أدوات للترفيه أو التسلية، بينما في الخارج هناك إدراك بأن هذه التقنيات قادرة على التلاعب في الأسواق والتأثير على سمعة الشركات وحتى توجيه الرأي العام سياسيًا.
واستشهد بحالات محددة شهدتها أوروبا أخيرًا، مثلما حدث في سلوفاكيا وإيطاليا، إذ تم استخدام محتوى مزيف مصنوع بتقنيات عالية الجودة للتأثير على نتائج الانتخابات أو لزعزعة ثقة المستثمرين، مؤكدًا أن هذه الممارسات لم تعد مجرد تخوفات نظرية، بل واقع حقيقي يحتاج إلى أدوات اكتشاف واستجابة على أعلى مستوى من الدقة.
وعن وضع الشركة من حيث التمويل، قال منير إن “ريد إيه آي” حصلت بالفعل على استثمار أولي ضمن جولة التمويل التمهيدية من بلاج آند بلاى، بقيمة تتجاوز 3 ملايين جنيه، دون الكشف عن التفاصيل النهائية حفاظًا على سرية الشروط، لافتًا إلى أن الشركة بصدد التفاوض حاليًا مع عدد من المستثمرين من مصر ودول الخليج لإغلاق الجولة خلال الشهرين المقبلين.
وأكد أن الشركة لا تسعى فقط للحصول على تمويل نقدي، وإنما تركز على جذب مستثمرين استراتيجيين لديهم خبرة في المجالات المرتبطة بالإعلام والبيانات والقطاع المالي، من أجل المساعدة في التوسع الإقليمي وبناء شراكات مؤسسية قوية.
وختم منير حديثه بالتأكيد على أن المستقبل لن يكون فقط لمن ينتج محتوى، بل لمن يستطيع التأكد من صحته أيضًا، مضيفًا أنهم يؤمنون بأن التكنولوجيا يجب أن تكون درع حماية للمؤسسات، لا مصدر تهديد لها، مشيراً إلى أنهم يعملون على أن تكون أدواتهم جزءًا أساسيًا من هذا الحصن.