
تسارع المصانع الصينية لإيجاد مشترين جدد محلياً ودولياً، في ظل تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة التي تمثل أكبر سوق تصديرية منفردة لها.
وتُظهر بيانات التجارة الصينية، التي صدرت بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية مرتفعة في أبريل، زيادةً في الصادرات إلى أسواق بديلة، مما عوض جزئياً التراجع الحاد في الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة.
وارتفعت قيمة الصادرات إلى أوروبا خلال مايو بنسبة 12% على أساس سنوي، فيما قفزت الشحنات إلى ألمانيا بنسبة 22%، كما ارتفعت الصادرات إلى دول جنوب شرق آسيا بنسبة 15%.
يرى المحللون أن بإمكان المصنعين الصينيين تعويض جزء من المبيعات المفقودة نتيجة الرسوم الأمريكية من خلال أسواق أخرى، مما يساعد في الحفاظ على دور الصادرات كركيزة للاقتصاد الوطني الذي لا يزال يعاني من تباطؤ قطاع العقارات وضعف ثقة المستهلكين.
قالت خبيرة الاقتصاد الصيني لدى “كابيتال إيكونوميكس”، ليا فاهي، إن “الاستهلاك ضعيف، ولا توجد محركات كافية لدفع الاقتصاد من هذه الجهة. الصين لا تزال بحاجة لتصدير هذه السلع، لذا سيتعين عليها توجيهها إلى دول أخرى، وهذه الأخيرة ستشهد زيادة في وارداتها من الصين”.
في إقليم “تشجيانج”، ثاني أكبر الأقاليم تصديراً في الصين، تتجلى جهود المصانع في تحويل التركيز بسرعة نحو شركاء تجاريين يعتبرون أكثر استقراراً من الولايات المتحدة، أو نحو السوق المحلي الكبير لكن شديد التنافسية.
ومع استمرار متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية فوق 50%، واحتمال أن يعيد ترامب فرض رسوم باهظة قد تجعل معظم التبادلات التجارية غير مجدية، أكد العديد من أصحاب ومديري المصانع على طول ساحل تشجيانج أنهم يبحثون عن أسواق جديدة.
وقال تشين زيبين، الذي تدير عائلته شركة “شاوشينج شانجيو ليهوا إلكترونيكس”، إن نسبة صادراتهم إلى الولايات المتحدة انخفضت هذا العام إلى نحو 30%، مقارنة بـ60% في 2024، مما دفعهم للتحول نحو السوق المحلي رغم انخفاض هوامش الربح فيه.
وأوضح تشين أن الطلبات الأمريكية بطيئة رغم الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين.
وأضاف:” “هذا الطريق لم يعد مجدياً، لذا نحتاج إلى إيجاد طريق جديد”، مشيراً إلى أن الشركة تستكشف قنوات البيع الإلكتروني مثل “تيمو”، وتسعى لجذب عملاء من أسواق جديدة بينها الشرق الأوسط وأوروبا.
من جهتها، قالت دوريس شيا، المديرة في شركة “كيمو” للأدوات الكهربائية، ومقرها تشجيانج، إن شركتها تركز الآن على التوسع في أوروبا وروسيا وجنوب شرق آسيا، بعدما واجهت استجابة ضعيفة خلال معرض تجاري أقيم في لاس فيغاس خلال مارس، رغم أن ترامب كان قد فرض حينها رسوماً إضافية بنسبة 20% فقط.
وبعد الولايات المتحدة، جاء الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية كأكبر وجهة للصادرات الصينية من حيث القيمة العام الماضي، تليه فيتنام، حيث تُعالج العديد من السلع لإعادة تصديرها، ثم اليابان وكوريا الجنوبية.
وتسعى المفوضية الأوروبية لرصد أي طفرات مفاجئة في الواردات الصينية والتعامل معها.
وأظهر أول تقرير رقابي لها زيادات حادة في واردات منتجات متعددة، مع الإشارة إلى أن الصين كانت المصدر الرئيسي لتلك الطفرات.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين خلال قمة مجموعة السبع في كندا هذا الشهر: “نشهد صدمة جديدة قادمة من الصين. ومع تباطؤ الاقتصاد الصيني، تغرق بكين الأسواق العالمية بفائض مدعوم لا يمكن لسوقها الداخلي استيعابه”.
ومع بلوغ قيمة صادرات إقليم تشجيانج نحو 550 مليار دولار سنوياً، ليأتي في المرتبة الثانية بعد إقليم جوانجدونج الجنوبي، يتسابق قادة الإقليم لمساعدة 100,000 مصنع على تجاوز اضطرابات الرسوم الجمركية.
وقد بدأت الحكومة المحلية بتغطية تكاليف المشاركة في المعارض التجارية الخارجية، كما أطلقت برامج لتعليم اللغات تستهدف إعداد 100,000 بائع جديد للتجارة الإلكترونية العابرة للحدود، وزادت من حجم الدعم المقدم لتأمين ائتمان التصدير.
أما مدينة تشيشي في إقليم تشجيانج، المعروفة باسم “موطن المحامل في الصين”، فتمنح بعض الأمل للمصانع التي تحاول الآن الابتعاد عن السوق الأمريكي.