
تواجه كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، ضغوطًا متزايدة جراء الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن صناعة بناء السفن في البلاد قد تمثل ورقة تفاوضية فعّالة في هذه المواجهة.
وتركز سول حاليًا على مفاوضات حاسمة تتعلق برسوم جمركية بنسبة 25%، تم تعليقها مؤقتًا حتى 8 يوليو المقبل، بعد أن طالتها الرسوم المفروضة على صادرات الصلب والسيارات إلى الولايات المتحدة، بحسب ما نقلته منصة “ياهو فاينانس” الاقتصادية.
وفي سبعينيات القرن الماضي، أطلق الرئيس العسكري بارك تشونج-هي طفرة في الصناعات الثقيلة بكوريا الجنوبية، واعتبر قطاعات مثل الصلب وبناء السفن “ذات أهمية استراتيجية”، ودعمها بإعانات حكومية واسعة.
وفي تلك الحقبة، تأسست شركة “بوسكو”، التي أصبحت لاحقًا واحدة من أكبر منتجي الصلب عالميًا، في حين أنشأت مجموعة هيونداي حوض بناء السفن في مدينة أولسان بجنوب شرق البلاد، والذي شهد نموًا متسارعًا.. وفي تحوّل رمزي في ميزان القوى العالمي بصناعة السفن، استحوذت هيونداي في عام 1987 على رافعة “جولايث” العملاقة من ترسانة “كوكومز” السويدية المفلسة مقابل دولار واحد فقط.
وخلال التسعينيات وأوائل الألفية، كثفت شركات مثل “هيونداي للصناعات الثقيلة” و”سامسونج للصناعات الثقيلة” استثماراتها في البحث والتطوير، مدعومة بسياسات دعم حكومي، مما مكنها من التفوق في تصنيع السفن عالية القيمة، مثل ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وناقلات النفط العملاقة، والمنصات البحرية.
ونتيجة هذه الجهود والاستثمارات على مدار عقود طويلة، أصبحت كوريا الجنوبية اليوم ثاني أكبر دولة في العالم في بناء السفن بعد الصين.. وفي عام 2024، سجلت الصادرات الكورية الجنوبية أعلى مستوياتها على الإطلاق، وكان لصناعة السفن دور رئيسي في هذا النمو، حيث شكلت نحو 4% من إجمالي الصادرات، محققة نموًا يقارب 20% عن العام السابق بإجمالي 25.6 مليار دولار.
ويعمل في قطاع بناء السفن نحو 120 ألف عامل بشكل مباشر، ما يعادل 1% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، إضافة إلى مئات الآلاف بشكل غير مباشر في مدن صناعية، مثل أولسان.
وحتى منتصف 2025، بلغت قيمة الطلبات الجديدة أكثر من 13 تريليون وون (ما يعادل 9.4 مليار دولار).. وفي مارس الماضي، وقعت شركة “هانوا أوشن” صفقة تاريخية بقيمة 1.6 مليار دولار لبناء ناقلات غاز لتايوان، في واحدة من أكبر الصفقات في القطاع هذا العام.
وقال وزير التجارة والصناعة والطاقة الكوري الجنوبي آن دوك-جيون، في أبريل الماضي، “إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى اهتمامًا كبيرًا بالتعاون الكوري الأمريكي في مجال بناء السفن”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة، شأنها شأن أوروبا، متخلفة عن كوريا الجنوبية والصين في هذا المجال، ما يجعل هذه الصناعة ورقة تفاوضية مهمة في المحادثات التجارية.
وفي مايو، التقى الممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير مع نائب رئيس شركة “هيونداي”، كبرى شركات بناء السفن في كوريا، وذلك قبل اجتماعه بالمسؤولين الحكوميين في سول، كما اجتمع جرير مع الرئيس التنفيذي لشركة “هانوا أوشن”، والتي أصبحت في سبتمبر 2024 أول شركة غير أمريكية تحصل على ترخيص لصيانة سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، في خطوة اعتُبرت إشارة إلى اعتبار واشنطن كوريا الجنوبية شريكًا استراتيجيًا في الدفاع، خاصة وأن لديها أكثر من 28 ألف جندي أمريكي متمركزين هناك.
وبحسب التقديرات، فإن سوق الصيانة والإصلاح للسفن عالميًا يتجاوز 60 مليار دولار سنويًا، وتظهر البيانات أن حصة كوريا الجنوبية في السوق العالمي آخذة في التراجع لصالح الصين، التي تهيمن على الحصة الأكبر من الطلبات الجديدة.
ويُتوقع أن يرتفع الطلب على السفن الصديقة للبيئة، ما يتطلب تعديلات تنظيمية عاجلة من الحكومة لدعم تطوير الجيل القادم من السفن، بحسب البروفيسور ري شين-هيونغ من جامعة سول الوطنية.
وتُعد أزمة السكان أيضًا تحديًا هيكليًا، حيث تراجعت أعداد الشباب في العشرينات والثلاثينات في مدينة جيوجي، موطن شركة “سامسونج للصناعات الثقيلة، بنحو النصف خلال السنوات الأخيرة.. وأظهرت البيانات انخفاضًا في الطلبات خلال 2025، وهو ما دفع بعض المحللين للتحذير من احتمال انتهاء دورة الازدهار الحالية للصناعة في وقت أقرب مما كان متوقعًا.
وقالت شركة “إتش دي هيونداي للصناعات الثقيلة” إن “قطاع بناء السفن يعيش دورة فائقة، لكن ذروتها ستكون أقل، ومدتها أقصر مقارنة بالدورات السابقة”، وفقًا لنائب رئيس الشركة نام تشول.
وكالة أنباء الشرق الأوسط