ما رسائل «اجتماع برلين» لأفرقاء الأزمة السياسية في ليبيا؟

ما رسائل «اجتماع برلين» لأفرقاء الأزمة السياسية في ليبيا؟

صعَّد «اجتماع برلين» حول ليبيا من لهجته هذه المرة ضد «معرقلي» العملية السياسية، فاتحاً الباب للتساؤلات حول الرسائل الموجهة لأفرقاء الأزمة التي تعصف بالبلد النفطي منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

واجتمعت في برلين، على مستوى كبار المسؤولين، لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، برئاسة مشتركة من المبعوثة الأممية هانا تيتيه، والمبعوث الألماني الخاص إلى ليبيا كريستيان باك. ورأت الأمم المتحدة أن هدف الاجتماع يتمثَّل في «دعم تنفيذ عملية سياسية يقودها الليبيون ويملكون زمامها بتيسير أممي يفضي إلى حل سياسي للأزمة».

جانب من اجتماع اللجنة الدولية الذي عُقد في برلين الجمعة (البعثة الأممية)

وتعوّل البعثة الأممية وكثير من الليبيين على نتائج الاجتماع الذي عُقد الجمعة الماضي، ودعا إلى تحريك مياه السياسة الراكدة، اعتماداً على مخرجات اللجنة الاستشارية الأممية التي سبق أن انتهت إلى «أربعة مقترحات».

وحمل هذا الاجتماع الذي لفت إلى «أزمة شرعية المؤسسات الليبية»، رسائل عدة لساسة البلاد، وفقاً لخبراء وسياسيين ومحليين، أبرزت ضرورة توقّف جميع الأطراف عن اللجوء لاستخدام العنف كوسيلة لحل النزاعات، بجانب أهمية دعم المقترحات الأممية للخروج من الفترة الانتقالية.

المقترحات الأربعة

ويرى أبو القاسم قزيط، عضو المجلس الأعلى للدولة، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن من بين رسائل «اجتماع برلين» البدء في «عملية سياسية متأنية ومتدرّجة وفق خريطة طريق البعثة الأممية، والمكونة من أربعة خيارات، من بينها حكومة جديدة».

والمقترحات الأربعة هي: إجراء الانتخابات في ظل حكومتين، ودمج الحكومتين القائمتين عبر اتفاق سياسي، وتوزيع السلطة التنفيذية بين ثلاث حكومات إقليمية مع تشكيل حكومة مركزية، أو تشكيل سلطة تنفيذية ممثلة في «حكومة جديدة واحدة» ذات صلاحيات محددة.

المشاركون في الاجتماع وإن كانوا جددوا تأكيدهم على «احترامهم التام والتزامهم الكامل بسيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية»، فقد توعدوا في رسائل صريحة بأن «من يعرقلون العملية السياسية ستتم مساءلتهم، بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة».

واستقبل كثير من الليبيين هذه الرسالة بتساؤلات عن مدى قدرة المجتمع الدولي على إخضاع «معرقلي» الحل للعقاب، في ظل مواءمات سياسية بين أطراف داخلية تلقى دعماً خارجياً. غير أن عضو مجلس الدولة الليبي قزيط يعتقد إمكانية تفعيل معاقبة «المعرقلين للحل»، مذكّراً بتوقيع عقوبات سابقة على سياسيين «لكنها لم تكن فعالة»، وهو ما أرجعه لسببين: «أنها جاءت مخففة، كما أن من وُقّع عليهم العقاب لم تكن لهم ملفات فساد أو جرائم حينها».

وتحدث قزيط عن أن العقوبات «ستكون مخيفة للميليشيات؛ لأنها ارتكبت كل الجرائم. وأعتقد ربما تكون هي المقصود الأساسي بالعقوبات»، وهي الرؤية التي يؤيدها العديد من المتابعين والسياسيين في ليبيا.

وسبق للاتحاد الأوروبي فرض عقوبات في مطلع أبريل (نيسان) 2016 على رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس «حكومة الإنقاذ» المنبثقة من «المؤتمر الوطني العام» خليفة الغويل، ورئيس المؤتمر نوري أبو سهمين، بداعي «العمل على تقويض العملية السياسية وعرقلة مسيرة السلام» في ليبيا. وانتهى الاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات حينها.

جانب من اجتماع اللجنة الدولية الذي عُقد في برلين الجمعة (البعثة الأممية)

وفي اجتماعها الأول منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بصيغتها العامة كلجنة متابعة دولية معنية بليبيا، والتي أُنشئت وفقاً لقرارات مؤتمرَي برلين حول ليبيا المنعقدين في يناير (كانون الثاني) 2020 ويونيو (حزيران) 2021؛ جدد المشاركون التزامهم بالعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة في ليبيا، واحترامهم لقرارات مجلس الأمن.

وكان المشاركون لاحظوا أنه بينما لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين الأطراف المتنازعة عام 2020 صامداً، فإنه لم يُنفذ بالكامل بعد، وأشاروا إلى أنه مع «توقف الحل السياسي للأزمة حينها؛ فإن هذا يمثل مخاطر متزايدة على استقرار ليبيا ووحدتها؛ وذلك بسبب أزمة شرعية المؤسسات الليبية، وهياكل الحوكمة المجزأة، والتدهور السريع للوضع الاقتصادي والمالي».

ترحيب بمخرجَات المؤتمر

ورحبت «الفعاليات الوطنية والحركات المدنية في مدينة مصراتة» بما صدر عن «مؤتمر برلين»، وأكدت أن دعمه لـ«إطلاق عملية سياسية شاملة وفق مقترحات اللجنة الاستشارية، يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح»، لا سيما التأكيد على ضرورة إنهاء الانقسام، وتوحيد المؤسسات السيادية، وتشكيل حكومة وطنية موحدة، باعتبارها متطلبات أساسية لضمان نجاح العملية الانتخابية المنتظرة.

وشددت «الفعاليات الوطنية» في مصراتة على أهمية أن تُترجم مخرجات المؤتمر إلى «خطوات عملية عاجلة، تنهي حالة الجمود السياسي وتفتح الطريق أمام انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة، عبر انتخابات شفافة ونزيهة».

ودعت «الفعاليات الوطنية» بعثة الأمم المتحدة إلى «ممارسة دور أكثر فاعلية وحزماً في مواجهة محاولات العرقلة أو الالتفاف على المسار السياسي، ورفض سياسة الأمر الواقع وازدواجية المؤسسات».

وانتهت إلى ضرورة «تحميل الأطراف كافة التي تسعى لإبقاء ليبيا في دوامة الفوضى مسؤولية مباشرة أمام الشعب الليبي والتاريخ، واتخاذ إجراءات دولية رادعة تجاه هذه الأطراف، خاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني الراهن بالعاصمة طرابلس، وما يرافقه من محاولات لإثارة الفوضى».