
برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كأحد أبرز المستثمرين العالميين، مستفيدةً بشكل استراتيجي من أصولها السيادية ورؤوس أموال شركاتها الكبرى للتأثير في التنمية الاقتصادية بمختلف المناطق، ويتجلّى هذا الدور بوضوح في إفريقيا، حيث تشهد الاستثمارات الإماراتية الجديدة “Greenfield” — لا سيما في قطاعي الطاقة والإنشاءات — نمواً لافتاً.
ووفقاً لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2025، تُعد الإمارات من بين أكبر خمس دول نامية من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة، مدعومة بصناديق ثروة سيادية قوية وشركات متعددة الجنسيات.
وفي عام 2024، واصلت الإمارات تنفيذ استراتيجية استثمارية نشطة، موجهةً رؤوس أموالها نحو مشاريع طويلة الأجل في مجالات البنية التحتية والطاقة، بما يتماشى مع أولويات التنمية في الدول المضيفة.
بصمة مؤثرة
ومن أبرز الاتجاهات الملحوظة، توسّع بصمة الإمارات الاستثمارية في إفريقيا في مجال المشاريع الجديدة، حيث تُظهر أحدث البيانات أن عدد المشاريع التي تقودها الإمارات في قطاع الطاقة الإفريقي قد تضاعف تقريباً بين عامي 2023 و2024، بالتوازي مع ارتفاع كبير في حجم الإنفاق الرأسمالي.
وتشمل الاستثمارات الرئيسة مشاريع طاقة متجددة واسعة النطاق وبُنى تحتية لنقل الكهرباء، تُنفذ غالباً بالشراكة مع حكومات إفريقية ومؤسسات مالية دولية.
أما في قطاع الإنشاءات، فتقوم الإمارات بتمويل وتطوير مشروعات عقارية كبرى ومرافق حضرية حديثة. وتهدف هذه المشاريع ليس فقط إلى تلبية الطلب المتزايد على الإسكان والمباني التجارية في المدن الإفريقية، بل أيضاً إلى خلق فرص عمل وتعزيز المحتوى المحلي.
ومن أبرز هذه المشاريع، تطوير منطقة رأس الحكمة العقارية في مصر بقيمة 24 مليار دولار، وهو مشروع يجمع بين التوسع السكني والمشاركة الحكومية الاستراتيجية في رأس المال، ما يجعله نموذجاً يُحتذى به في التعاون بين القطاعين العام والخاص في إفريقيا.
استراتيجية طويل الآجل ضمن أهداف التنمية المستدامة
وعلاوة على ضخّ رؤوس الأموال، تتسم الاستراتيجية الاستثمارية للإمارات بالتنسيق المؤسسي القوي والتخطيط طويل الأمد. وتُركِّز استراتيجيتها على القطاعات ذات الأثر التنموي العالي — مثل الطاقة والبنية التحتية والإنشاءات — بما يتوافق مع أولويات القارة الإفريقية كما حددتها أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
ومن خلال تمويل الطاقة النظيفة، وتحسين شبكات النقل، ودعم المناطق الصناعية، تساهم الإمارات بشكل فاعل في تقليص فجوة تمويل البنية التحتية في إفريقيا، والتي تُقدَّر بما بين 68 و108 مليارات دولار سنوياً، وفقاً للبنك الإفريقي للتنمية.
مع ذلك، فإن تركُّز الاستثمارات الإماراتية في عدد محدود من الاقتصادات الكبيرة يبرز تحدياً أوسع في توزيع الاستثمارات إقليمياً؛ فبينما تجتذب دول مثل مصر والمغرب وجنوب إفريقيا النصيب الأكبر من رؤوس الأموال الإماراتية، تظل اقتصادات أخرى أصغر وأكثر هشاشة هيكلياً تعاني من نقص في الاستثمارات، مما يعزز الحاجة إلى أطر إقليمية وآليات لتخفيف المخاطر تُشجع على تنويع الاستثمارات جغرافياً.
في المجمل، يُسلّط التوسع المتزايد لدور الإمارات كمستثمر في المشاريع الجديدة في إفريقيا الضوء على طموحها الاستراتيجي لتكون مركزاً عالمياً لرأس المال والتأثير التنموي. ومساهمتها المتنامية في التحول الطاقي في إفريقيا وتطوير بنيتها التحتية تأتي في الوقت المناسب وتحمل أثراً بالغاً — لتكون نموذجاً يُحتذى في توظيف رؤوس الأموال الخليجية لدفع النمو المستدام عبر الحدود.
الدكتور أشرف عبدالعال مسؤول اقتصادي بمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”.