
تشظي الذات في زمن الحرب: قراءة في رواية (نصفٌ للقذيقة) للكاتبة سمية الشيباني
حسين السياب
تُعدّ رواية “نصفٌ للقذيقة”، للكاتبة والإعلامية العراقية سمية الشيباني، واحدة من الأعمال الأدبية التي تعكس بعمقٍ الواقع العراقي المتأزم، وتمنح الصوت للذات الأنثوية في خضم الفوضى السياسية والاجتماعية التي عصفت بالعراق خلال العقود الأخيرة. تأتي الكاتبة سمية الشيباني بهذا العمل لتقدم نصاً إبداعياً يشتبك مع الأسئلة الكبرى: الوطن، الهوية، المرأة، والحرب…
العنوان “نصفٌ للقذيقة” محمّل بالدلالات الرمزية؛ “القذيقة” ترمز إلى الحرب والعنف والدمار، بينما “نصفٌ” يشير إلى تجزئة، نقص، أو فقدان شيء ما..
العنوان يفتح أفق القراءة على ثنائية الموت/ الحياة، الكامل/الناقص، ما قبل الحرب وما بعدها، في إطار سردي يعكس الانشطار الداخلي للذات والواقع.
تستخدم الشيباني لغة شاعرية مكثفة، تُزاوج بين الرؤية الشعرية والنثر السردي، ما يمنح النصّ طابعاً تأملياً ووجودياً. تميزت لغتها بالقدرة على تصوير المشاهد النفسية والمعاناة الفردية بدقة عالية، مستخدمة الاستعارات والرموز التي تُثري التجربة السردية وتُحمّلها أبعاداً فكرية وفلسفية. الرواية مبنية على تقنيات سردية حداثية، أبرزها:
-تيار الوعي
-التداخل الزمني
-التناوب في الأصوات
الثيمات الأساسية:
1-الحرب وآثارها النفسية
2-المرأة والهوية
3-المنفى والغربة
4-اللغة كأداة مقاومة.
ترتكز الرواية على شخصية أنثوية محورية، تعيش التحولات الكبرى في العراق، وتعكس في معاناتها التحولات الجمعية التي عصفت بالوطن.
رواية “نصفٌ للقذيقة” هي عمل أدبي ناضج، يُعيد مساءلة التأريخ، ويقدّم تجربة ذاتية/ جمعية للمرأة العراقية في زمن العنف والتمزق..
“سألت نفسي آلاف المرات: تُرى أين أذهب لو لم تتجه بي هذه الطائرة الى العراق؟ أي بلد سيمنحني تأشيرة دخول من أجل السياحة أو العمل أو حتى الضياع في الشوارع بلا هدف. لا أحد بالطبع، أنا عدوة العالم بلا عداوة، خطيرة على المطارات والعواصم، إبنة الخطورات السبع لا الحضارات السبع، إبنة الأرض التي تغير اسمها من أرض السواد ( نخلا ) الى أرض الحداد حزنا وموتا، لا أحد يصدق لعنتي، غريبة في وطني، مهددة بالحروب ومحاصرة بالانتصارات الوهمية والأناشيد الوطنية السخيفة، أتسلى بالبكاء على الموتى وزيارات القبور، رخيص مهري وقيمتي الإنسانية، معزولة لا أجيد لغة العالم”..
ثلاثمائة صفحة من المتعة والسرد الروائي الآسر، لا يُبدعه إلا كاتب حاذق، متمكن من أدواته، يتقن فن الحكاية ويأسر القارئ من السطر الأول حتى النهاية.
يُذكر أن سمية الشيباني كاتبة وإعلامية عراقية، صدر لها ثلاث روايات:
-حارسة النخيل
-هي التي رأت
-نصفٌ للقذيفة
وتُعد رواية “نصفٌ للقذيقة” من أبرز أعمالها. تخطّت سمية الشيباني حدود السرد التقليدي لتقدم نصاً مكثفاً، شاعرياً، ينهض على أنقاض الحرب والذاكرة والهوية.
شاعر وكاتب | عراقي
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: