تأجيل اتفاق السلام بين رواندا والكونغو… هل تقلصت فرص الحل؟

تأجيل اتفاق السلام بين رواندا والكونغو… هل تقلصت فرص الحل؟

تعثر جديد تشهده أزمة شرق الكونغو الديمقراطية المتصاعدة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، مع حركة «23 مارس» المتمردة المدعومة من الجارة رواندا، عقب إعلان كيغالي اتفاق تأجيل سلام مع كينشاسا كان مقرراً منتصف الشهر الحالي.

تلك المحطة الجديدة لم تشهد، بحسب تأكيد كيغالي، توقف المحادثات التي كانت برعاية أميركية، لكن اشترطت «تحقيق مكاسب متبادلة للطرفين»، وهو ما يراه خبير في الشؤون الأفريقية تحدث لـ«الشرق الأوسط» أنه كاشف عن تطور مقلق في مسار التسوية وتقلص فرص الحل، فيما لم يستبعد إمكانية إحراز اتفاق مستقبلي لكن ليس قريباً.

ولم يصدر عن الكونغو الديمقراطية أو واشنطن حتى، الأربعاء، أي توضيحات بشأن سبب التأجيل الذي أكده وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه ندوهونغيريهي، الأسبوع الحالي.

وكان الوزير الرواندي قال عبر منصة «إكس»: «لم يُوقّع أي اتفاق سلام في واشنطن يوم 15 يونيو (حزيران) الذي كان بالفعل الهدف الأولي لتوقيع الاتفاق في البيت الأبيض، لكن الأطراف اضطرت إلى تعديل الموعد ليتماشى مع واقع المفاوضات الجارية»، مؤكداً أن «المباحثات لا تزال مستمرة»، وأن التوقيع على الاتفاق لن يتم إلا بعد التوصل إلى «اتفاق سلام يحقق مكاسب متبادلة للطرفين».

ووقَّعت رواندا والكونغو الديمقراطية، في 25 أبريل (نيسان) الماضي «إعلان مبادئ» في واشنطن، بحضور وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، وذلك عقب يومين من إعلان حكومة الكونغو الديمقراطية، وحركة «إم 23»، في بيان مشترك، اتفاقهما، عقب وساطة قطرية، على «العمل نحو التوصُّل إلى هدنة».

وتزامن ذلك مع حراك لحل يدفع إليه الاتحاد الأفريقي أيضاً وفرنسا، خصوصاً أنه منذ 2021 أُقرَّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية، لكن كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع باءت بالفشل.

وبرأي المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، فإن «تأجيل توقيع اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يمثل تطوراً مقلقاً في مسار تسوية الأزمة المستعصية في شرق الكونغو»، مشيراً إلى أن «هذا التأجيل لا يبدو مجرد إجراء تقني أو تأخير لوجيستي، بل يعكس مأزقاً سياسيّاً حقيقيّاً ناجماً عن غياب الثقة المتبادلة، وتصاعد التوترات الميدانية، وفشل القوى الإقليمية والدولية في بلورة توافق حول مسار حل مستدام».

ويُعدّ التأجيل، بحسب عيسى، «مؤشراً على تراجع فاعلية المبادرات الإقليمية، والتي تبدو محدودة النفوذ والتأثير في ضوء تصاعد التعقيدات السياسية والميدانية، أما على المستوى الدولي فتبدو مواقف القوى الكبرى، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، غير حاسمة في الضغط على رواندا لوقف دعمها للحركات المتمردة، ما يساهم في خلق فراغ دبلوماسي يسمح بمزيد من التصعيد».

ورغم دلالاته السلبية، فإن تأجيل الاتفاق لا يعني بالضرورة إغلاق باب الحل السياسي نهائيّاً، لكنه يعكس الحاجة الملحّة إلى مقاربة شاملة تعيد بناء الثقة، وتربط بين المسارات الأمنية والسياسية، وتستند إلى إرادة دولية فاعلة وقادرة على ممارسة ضغط حقيقي على جميع أطراف النزاع، وفق تقديرات عيسى.

عناصر من جيش الكونغو يتخذون مواقعهم بعد تجدد القتال بالقرب من الحدود الكونغولية مع رواندا (رويترز)

ويأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التوترات بين الجانبين، وبعد أيام من قرار رواندا في 8 يونيو الحالي عبر بيان لـ«الخارجية» الانسحاب من الكتلة الاقتصادية الرئيسية بوسط أفريقيا، بعد ما عدته «استغلال» كينشاسا للتكتل، ومنعها من تولي الرئاسة الدورية للمجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا «إيكاس» بسبب النزاع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بحسب ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية» آنذاك.

وكان من المقرر أن تنتقل رئاسة مجموعة «إيكاس» التي تضم 11 دولة إلى كيغالي، لكن الكونغو الديمقراطية وحليفتها بوروندي اعترضتا على الأمر خلال اجتماع للمنظمة الإقليمية، في مالابو، وتم إرجاء الأمر لموعد لاحق، والإبقاء على غينيا الاستوائية رئيسة لها لمدة عام، وفق بيان للمجموعة.

وأواخر مايو (أيار) الماضي، نقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، عن مصدرين مقربين من المفاوضات، أن «مسؤولين من الكونغو الديمقراطية متفائلون بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع واشنطن في نهاية يونيو الحالي، لتأمين استثمارات أميركية في المعادن الحيوية، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة جهود إنهاء التمرد المدعوم من رواندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية».

وترى كينشاسا أن الاستيلاء على ثرواتها المعدنية محرك رئيسي للصراع بين قواتها ومتمردي حركة «23 مارس»، المدعومة من رواندا في شرق الكونغو، الذي اشتد منذ يناير الماضي، وتتهم كيغالي بتهريب معادن بعشرات الملايين من الدولارات عبر الحدود شهرياً لبيعها من رواندا.

ويعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية أن هذا التصعيد المتزايد بين البلدين أسفر عن هذا التأجيل، ويفاقم الأزمة بشكل كبير، ويعمّق حالة عدم الاستقرار في المنطقة، مؤكدا أن «هناك حاجة ملحّة لإعادة بناء الثقة بين الأطراف، من خلال وساطة إقليمية محايدة، وقادرة على ضمان التزامات حقيقية».

وشدد على «ضرورة ممارسة ضغط دولي واضح على رواندا لوقف أي دعم عسكري لحركة (23 مارس) مع تفعيل آليات العقوبات أو المشروطية في المساعدات الإقليمية»، مؤكداً أنه رغم هذا التصعيد والتأجيل الحالي، فإن «إمكانية رؤية اتفاق قريب قائمة، ولكنها غير مرجّحة في الأجل القصير، ما لم يحدث تغيير حقيقي في مواقف الأطراف الراعية للنزاع، بخاصة رواندا والجهات الدولية المتدخّلة».

وأشار إلى أن «الاتفاق لن يكون ممكناً إذا استمرت الأطراف في الرهان على الحلول العسكرية، أو إذا ظلت المبادرات الإقليمية والدولية عاجزة عن فرض خريطة طريق واقعية وملزمة».