علاء كعيد حسب: حين تتحول عبارة “تبخيس المجهودات” إلى سلاح المنتخبين لتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير بالمغرب

علاء كعيد حسب: حين تتحول عبارة “تبخيس المجهودات” إلى سلاح المنتخبين لتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير بالمغرب

علاء كعيد حسب: حين تتحول عبارة “تبخيس المجهودات” إلى سلاح المنتخبين لتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير بالمغرب

 
 
علاء كعيد حسب
 
بطبيعة الحال، لا يمكن إنكار أن المملكة المغربية قد خطت خطوات مهمة منذ اعتماد دستور 2011، الذي شكل لحظة مفصلية في تعزيز الحقوق والحريات، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير. فالملك محمد السادس، باعتباره رئيس الدولة وضامن الحريات، ما فتئ يؤكد في خطاباته الرسمية على أهمية الانفتاح، واحترام التعددية، وضرورة الاستماع إلى نبض المجتمع. وقد تجسدت هذه الإرادة في عدد من المبادرات، أبرزها العفو الملكي عن عدد من الصحفيين والمعتقلين على خلفية قضايا مرتبطة بالتعبير، وآخرها في يوليوز 2024، حين شمل العفو صحفيين معروفين مثل سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، في خطوة اعتبرها العديد من المتتبعين إشارة إيجابية في اتجاه تهدئة مناخ حرية الصحافة.
 
كما أن مؤسسات الدولة السيادية، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تؤكد في تقاريرها على ضرورة احترام حرية التعبير، وتحثّ على توفير شروط المحاكمة العادلة، وعدم الانزلاق نحو تقييد الأصوات النقدية بدون سند قانوني واضح. كما لا تزال وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، وإن بصوت منخفض، تذكّر بالتزامات المغرب الدولية في هذا الباب، لا سيما بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب منذ عقود.
 
لكن في مقابل هذا الإطار الدستوري والرؤية المعلنة من رأس الدولة، برز في السنوات الأخيرة اتجاه مقلق داخل بعض المؤسسات المنتخبة، سواء في الحكومة أو البرلمان أو المجالس المحلية، لتضييق فضاء التعبير الحرّ من خلال توظيف خطاب “التحذير من التبخيس” و”الإضرار بصورة المؤسسات”. هذا التوجه لا يصدر فقط عن تصريحات فردية بل أضحى مكرّسًا في ممارسات متكررة تهدف إلى نزع الشرعية عن كل نقد موجّه لسياسات عمومية أو مشاريع تنموية فاشلة، خصوصًا إذا ما صدر من فعاليات مدنية أو إعلامية مستقلة.
 
لقد أصبحت عبارات مثل “من يُبخس المجهودات” أو “من يسيء لصورة المؤسسات المنتخبة” أو “من يشكك في إنجازات الحكومة” بمثابة سلاح رمزي تُواجه به المعارضة المجتمعية، ويُراد من خلالها إسكات الرأي الآخر وتهميش النقاش العمومي. والغريب في الأمر أن هذا الخطاب لا يستند إلى أي أساس دستوري، بل يتناقض كليًا مع ما ورد في الفصل 25 من الدستور الذي يقر صراحة بأن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، وكذا الفصل 28 الذي يضمن حرية الصحافة دون رقابة مسبقة.
 
ما يدعو للقلق هو أن بعض أعضاء الحكومة والمنتخبين في البرلمان والمجالس المنتخبة، محليا وإقليميا وجهويا، أصبحوا يربطون بين النقد والمساس بسمعة الجهة أو البلد، مما يدفعهم أحيانًا إلى تهديد نشطاء أو إعلاميين باللجوء إلى القضاء، في ما يشبه استعمالًا تعسفيًا للقانون لأغراض سياسية وانتقامية. وقد تم رصد حالات لمواطنين جرى استدعاؤهم بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا فيها تدبير الشأن المحلي، لا سيما في قطاعات حيوية كالماء، الصحة، النقل، أو البنية التحتية، وتم اعتبار ذلك “إساءة” للمنتخبين.
 
اليوم، وبكل أمانة، نحن أمام مفارقة دستورية وسياسية: في الوقت الذي يعلن فيه رأس الدولة انحيازه لحرية التعبير ومأسسة الحقوق، تنحو بعض الهيئات المنتخبة إلى تقييد تلك الحقوق بدعوى الدفاع عن المجهودات. وكأن هذه المؤسسات – التي من المفترض أن تُحاسب وتُراقب من طرف المواطنين – أصبحت فوق المساءلة، تنشد التصفيق بدل التقييم، وتعتبر الانتقاد تهديدًا بدل أن تراه فرصة للتحسين.
 
وعليه، فإن الضرورة تقتضي اليوم إعادة توجيه النقاش العمومي نحو احترام الحق في النقد المشروع، وتذكير المنتخبين – محليين كانوا أو وطنيين – بأن العمل السياسي ليس امتيازًا شخصيًا بل وظيفة عمومية تقوم على المساءلة، والقبول بالنقد، والاحتكام إلى المعايير الديمقراطية. كما يجب أن يعي الجميع أن احترام حرية التعبير لا يُضعف صورة الدولة، بل يقوّيها ويمنحها شرعية ومصداقية لدى المواطن، وهو ما ينسجم تمامًا مع التوجهات المعلنة للمؤسسات العليا في البلاد.
 
شاعر وكاتب صحفي
 

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: