فسيفساء الخشب.. فن دمشقي عريق يقاوم الاندثار

فسيفساء الخشب.. فن دمشقي عريق يقاوم الاندثار

فسيفساء الخشب.. فن دمشقي عريق يقاوم الاندثار

دمشق/ أدهم أمره أوزجان، أحمد قره أحمد/ الأناضول
رغم كل المصاعب، يحرص حرفيون في العاصمة السورية دمشق على الحفاظ على فن الفسيفساء الخشبية الذي يجسد الروح الجمالية والإرث الفني للمدينة، وسط مخاوف من انقراض المهنة بسبب غياب الاهتمام من الأجيال الجديدة بتعلمها.
وتعد العاصمة السورية دمشق، مركزًا لفن الفسيفساء الخشبية منذ قرون.
يعود هذا الفن اليدوي العريق إلى الحقبة العثمانية، وقد زين القصور والمساجد والبيوت والقباب، مخلفًا آثارًا جمالية في الهوية المعمارية للمدينة.
وتمكنت الفسيفساء الخشبية، التي يظهر فيها جليا أناقة الفن الإسلامي الهندسي، من تحويل الخشب إلى مرآة تعكس روح دمشق الجمالية وإرثها المعماري. وقد انتقلت هذه الحرفة يدويًا من جيل إلى آخر عبر علاقة المعلّم بالتلميذ، وظلّت تُمارس على مدى قرون بالصبر والعمل اليدوي المتقن.
ويتم تركيب قطع صغيرة من أنواع خشبية مختلفة بدقة متناهية على هيئة أنماط هندسية، ثم تُزيّن بإضافات من عرق اللؤلؤ، لتتحول في النهاية إلى صناديق وكراسي وطاولات وصناديق مجوهرات وإطارات مرايا تجمع بين القيمة الوظيفية والفنية.
وتنتشر الورش التقليدية لفن الفسيفساء الخشبية في دمشق خاصة في أحياء المدينة القديمة مثل باب شرقي وباب توما والميدان. وفي هذه الورش، يبذل الحرفيّون جهودًا تمتد لأيام بل لأشهر لإنتاج قطعة واحدة تُعد عملًا فنيًا متكاملًا.
وتُعد عائلة الحموي، التي تعمل في ورشتها الواقعة في باب توما، من آخر العائلات التي تحافظ على هذه المهنة.
وينتمي الأخوان الحموي إلى عائلة دمشقية مسيحية، وقد دأبا منذ نحو 60 عامًا على العمل معًا في الورشة نفسها التي ورثاها عن والدهما، محافظَين بذلك على المهنة.
لكن الصعوبات التي تواجه الحرفيّين اليوم لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، إذ تؤدي الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي أيضًا إلى تعطل العمل.
وتكمن أكبر مخاوف الحرفيّين في غياب جيل جديد يتعلّم هذه المهنة، إذ يُعد عزوف الشباب عن تعلمها أبرز تهديد يواجه مستقبل هذا الفن العريق.
الأخوان الحموي، اللذان يسعيان للحفاظ على فن الفسيفساء الخشبية التقليدية في دمشق، تحدثا لمراسل الأناضول عن تفاصيل هذه المهنة، والمشكلات الحالية التي يواجهونها، وجهودهم في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي.
– “أنصح الشباب بتعلّم هذه المهنة”
إيلي الحموي، البالغ من العمر 66 عامًا أوضح أنه ورث المهنة من والده، لكنه اشتكى من عزوف ولديه عن تعلمها.
وقال: “ورثت هذه المهنة من والدي، وأمارسها منذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري. والدي حافظ على هذه المهنة طيلة 80 عامًا، وأنا أعمل مع إخوتي في هذه الورشة منذ أكثر من 60 عامًا، تعلمنا باستمرار وتطورنا. لدي ولدان، لكنهما لا يحبان العمل في هذه المهنة”.
وأكّد الحموي أن فن الفسيفساء الخشبية حرفة بالغة الصعوبة، قائلًا: “نقوم أولًا بتقطيع الخشب، ثم نتركه ليجف. ننتظر بين 3 و4 سنوات حتى يجف الخشب، بعد ذلك نقطعه بحسب المقاسات التي نحتاجها، ثم نبدأ بالعمل ونجهّز تصاميم القطعة التي سننفذها”.
وتابع: “نواجه صعوبات في نقل هذه المهنة التي تحتاج إلى الكثير من الصبر والمشقة للأجيال القادمة. مهنتنا شرف لنا، ويجب أن نحافظ عليها ونطوّرها، لكن في هذه الفترة لا يوجد متدربون جدد، العائلات لا تسمح لأولادها بالدخول في هذه المهنة”.
وأشار الحموي إلى أن عائلته تُعد من آخر العائلات التي تمارس هذه المهنة بالطرائق التقليدية اليدوية.
وأضاف: “أكبر مشكلة نواجهها هي انقطاع الكهرباء. لا أحد اليوم يمكنه مواصلة هذه المهنة، معظم الحرفيين هاجروا، ومن بقي توفي، أنصح الشباب بتعلّم هذه المهنة التي ستحقق لهم مستقبلًا جيدًا”.
– المهنة كانت تحظى بتقدير أكبر في الماضي
من جانبه، قال جهاد الحموي، الذي يعمل في هذه المهنة منذ عام 1980: “أعمل مع والدي وإخوتي في هذه الورشة. كل واحد منّا يقوم بجزء من العمل. أنا مثلًا أعمل على الصنفرة والتلميع وغير ذلك من المهام. حاليًا أضع طلاءً نهائيًا على تصميم معين. تعلمت أسرار هذه المهنة من والدي”.
وأوضح الحموي أن المهنة لم تعد كما كانت في السابق، قائلًا: “في الماضي، كان التجار يقدّرون عملنا، أما اليوم فهم يريدون كل شيء بثمن زهيد”.
وأضاف أن تجهيز قطعة واحدة من الطلبات التي يتلقونها قد يستغرق شهورًا، وأردف: “العمل اليدوي لا يُقدّر بثمن”.
وتابع: “كانت مهنة الفسيفساء تحظى بتقدير أكبر في السابق. كان السياح القادمون إلى البلاد يُعجبون بجمال هذا الفن، ولم يكونوا يخفون إعجابهم، بل كانوا يلتقطون الصور معنا”.
وختم جهاد الحموي حديثه بالإشارة إلى أنهم تلقوا عروضًا للعمل في الخارج، لكن والدهم رفض ذلك، مؤكدًا أنهم كانوا قبل عقود يصدرون منتجاتهم إلى مختلف دول أوروبا.

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: