شمس الدين العوني: “من وراء هذا العمل الفني”.. سؤال التجربة و المسيرة للفنان الهادي فنينة

شمس الدين العوني: “من وراء هذا العمل الفني”.. سؤال التجربة و المسيرة للفنان الهادي فنينة

شمس الدين العوني: “من وراء هذا العمل الفني”.. سؤال التجربة و المسيرة للفنان الهادي فنينة

 
 
شمس الدين العوني
غالبا مي يتم التركيز على الأثر الفني و و التعاطي معه كمنجز يطرح جوانب من رغبات المتلقي و انتظاراته لدرجة الغوص في خباياه لسبر أغواره و ينابيع جمالياته و عدم الاهتمام بحكاياته و دوافع العملية الابداعية التي قادت اليه و التي تحيل الى صاحبه الذي عادة ما يكون العارف بشؤونه و شجونه من حيث الفكرة الدالة اليه و القادح الذي أوقد دوافع العمل و مختلف تفاصيل أمره..
و في الفن التشكيلي تحديدا عادة ما يطرح هذا الأمر حيث تتعدد الأعمال الفنية من لوحات و خزفيات و منحوتات و مائيات و تنصيبات و صور و غيرها و يقف عندها الناظر منبهرا و مأخوذا بها الا أن الفنان المنجز للعمل و صاحب فكرة ابداعه يظل في مستوى اهتمام آخر من قبل المتلقي ..و هنا تطرح الحالات و التفاصيل و الأحداث الكامنة وراء العمل و من هو وراءه و حكايته الفنية بل و سيرته الدالة عليه و حياته و تفلباتها و مراحلها تجاه لعبة الفن و الابداع..
و بمعنى فكرة العمل و هوية صاحبه يطمح الفنان و يسعد حين ينقاد المتلقي و بعد اطلاعه على العمل الفني الى السؤال و الرغبة في التعرف على صاحب العمل و ملابسات علاقاته بالعملية الفنية في الابداع و في الحياة و بروز سؤال ” من وراء هذا العمل الفني..”.في هذا السياق تطرح أعمال الفنان التشكيلي الهادي فنينة شيئا من هذا السؤال .
تنوعت أعماله بين مشاهد و مواضيع عديدة انطلاقا من بيئته بمدينة الحمامات و اقامته لسنوات بألمانيا ما طرح تعدد مراحل حياة هذا الفنان منذ الطفولة و الى الآن .
وحين نطرح عليه سؤال ” من وراء هذا العمل الفني” يمضي قائلا : “.. في البدايات كان غرامي ببستان العائلة حيث أشجار البرتقال و القارص و الأزهار بألوانها فالمشهد جذاب و رائق النوار و العشب و كل ما هو اخضرار ..كانت “السانية” و عالمها و متطلبات العناية بها مجالا لعيشي الهانئ مع العائلة في منزلنا بمدينة الحمامات المعروفة بمميزاتها و طابعها و خصوصياتها ..كنت أستنشق روائح الأشجار و أستمتع عند بدايات النهار بالنور الذي يقصدها ليخترقها في جمالية شكلت شيئا من ذوقي و حساسيتي الفنية الأولى ..و ساعدني هذا في تشكل بدايات تجربتي في الحياة .. عشت في ألمانيا في فترات لاحقة و درست و أتممت تعليمي و بعد 28 سنة عدت الى الحمامات و تقصدت البقاء لأسبوع لأعود الى ألمانيا ثم صار أسبوعين ثم شهرا و في الأخير بقيت و الى الآن ..
ونزيد لنطرح السؤال ثانية ” من وراء هذا العمل الفني..” ليواصل قائلا : “..هذا الشاب الموهوب بدأ مسيرة الفن بالمعارض المقامة له في سيدي بوسعيد ثم برواق شيم و كانت لي معارض للصورة و الفوتوغرافيا بالأبيض و الأسود من خلال مشاهد غروب الشمس و الوطن القبلي ….و الآن صارت معارضي في الرسم و فنونه و كل ذلك للمواصلة مع تجربتي و الحياة في ألمانيا و في الحمامات بعد غياب لفترة 28 سنة .. بدأت تجربة الحياة الاجتماعية و الثقافية و اشتغلت بشغف و كأنني لم أخرج من بلادي ..و هذا ذكرني في أيامي الجميلة حين كنت أدرس الفنون الجميلة و سي الهادي السلمي و التركي و بلاغة و معارض المرسى و قرطاج و المنزه في أروقة عديدة كرواق محمد العايب ..و رسمت الحيوانات و الرباط بألوان حية و بذلك أحسست بأني عدت الى طفولتي من خلال أعمالي الفنية ..لقد كانت الطبيعة أساس أعمالي الفنية حيث كانت يغذيني بالطاقة و الاحساس و الجمال و هذا مهم بالنسبة لمبدع في الحياة الفنية ..”.
ونعيد ذات السؤال ليجيب قائلا: “..لقد صرت في عملي ميالا و مأخوذا بمواضيع الطبيعة ما جعلني أعود للعمل الفني الذي أنجزه عدة مرات أحاوره و اتفقده و أحكي له شجني و حالي لقد كنت على عطش فني ثقافي في خلال عودتي الى تونس و انتهى ذلك العطش بما استلهمته في رسمي من الطبيعة و من خلال الشعور بانني راض عن ذاتي ..كما كان الفن و الرسم شيئا طبيعيا بالنسبة لي حيث انسجمت مع الطبيعة و رسمت البستان الذي كبرت فيه مع النور و الأشجار حيث عدت لأرى ذاتي و قد استعدت الحياة و صرت فرحا و مبتهجا كالطفل..و ذهب عني الاحباط و الضغط و وجدت طريقي بقناعة وأريحية في الفن و الحياة… كان هذا نهجي في العمل الفني التشكيلي و طريقي في الابداع و الثقافة..”.
انه سؤال المسيرة و التجربة و كل حكاية من حكايات لوحات عم الهادي الفنان لتشكل كلها مجمل مساره الفني و الحياتي و تشير الى أن وراء كل لوحة أو عمل فني حكاية و أسئلة و قلق و حلم ..و هكذا تتشكل كل تلك الحكايات لتكون كل لوحة بمثاية لبنة في مسيرة و تجربة فنان فيها الكثير من الثراء و التغير و التطور…وهكذا.

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: