
يواجه «المجلس الرئاسي» الليبي تصدعات متزايدة بين مواقف رئيسه محمد المنفي، ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني، كانت بدأت خلال الأشهر القليلة الماضية.
ويرى سياسيون، أن الخلافات الظاهرة تعود إلى عيوب في هيكلية المجلس واختصاصاته وفاعليته، وقد تفاقمت بفعل أزمات سياسية وأمنية متشابكة أطالت من مدة بقائه لأربع سنوات إضافية منذ تشكيله الحالي في «ملتقى جنيف» عام 2021.
أحدث تلك الخلافات، كان في مايو (أيار) الماضي، حين ظهرت تسريباته مع ما تداولته وسائل إعلام محلية عن خلافات بين أعضاء المجلس بشأن إقالة حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، في طرابلس، على خلفية احتجاجات حاشدة ضد الأخيرة.
وقتذاك، أطلق زياد دغيم، مستشار رئيس «المجلس الرئاسي» تصريحات تليفزيونية لقناة «الوسط» المحلية، شرح فيها موقفه من الأزمة السياسية والدعوات إلى إقالة حكومة طرابلس، وقد قوبلت برفض من جانب اللافي والكوني، قائلين إنها «لا تمثل موقف (المجلس الرئاسي) بكامل أعضائه».
وهنا أحال عضو «الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور»، الهادي بوحمرة، هذه التناقضات وما سبقها من مواقف إلى «إقرار (مؤتمر جنيف) قاعدة الإجماع في اتخاذ القرارات، التي جعلته لا يملك القدرة على مواجهة الأزمات، ولا حتى اتخاذ القرار».
وبيَّن بوحمرة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا «الإجماع تحوَّل أداة تعطيل، وجعلت (المجلس الرئاسي) في حالة صدام دائم بين أعضائه من جهة، وبينه وبين مجلسي النواب والدولة من جهة أخرى، وبينه وبين القائد العام لـ(الجيش الوطني) من جهة ثالثة».
ويشار إلى أن التضارب الأخير بين أعضاء «الرئاسي» سبقه موقف آخر في مارس (آذار) الماضي، واتخذ طابع «نزال المبادرات»، حين أطلق الكوني مبادرة للعودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة التاريخية (طرابلس وبرقة وفزان). في مقابل اقتراح للافي تقسيم البلاد إلى 13 محافظة تدار وفق نظام لا مركزي، على أن يتم توزيع الميزانية بالتساوي بين هذه المحافظات.
وما كاد يهدأ «نزال المبادرات»، حتى اصطف اللافي والكوني ضد المنفي، رافضين مرسوماً يقضي بوقف العمل بقانون إنشاء المحكمة الدستورية، وتشكيل «المفوضية الاستفتاء والاستعلام»، وتحديد آليات انتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية، وعدَّاه «سلوكاً لا يخدم المصلحة الوطنية ويضعف مصداقية المؤسسات».
ويعتقد بوحمرة لـ«الشرق الأوسط» أن «التضارب» بين أعضاء «المجلس الرئاسي» يضرب بجذوره «منذ اتفاق الصخيرات المغربية عام 2015، الذي أنتج أول مجلس برئاسة فائز السراج»، مضيفاً: «هذا بالتأكيد لم يكن غائباً على خبراء البعثة الأممية عند تصميم الاتفاق السياسي في جنيف 2021».
ومن منظور بوحمرة، فإن الاتفاقين «أنتجا مجلسين رئاسيين عديمي التأثير والفاعلية».
ويشرح عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور قائلاً: «رئيس (المجلس الرئاسي) هو القائد الأعلى للجيش ولا يملك سلطة فعلية لا على القوى العسكرية في الشرق ولا في الغرب، كما أن المجلس يتداخل، في اختصاص السياسة الخارجية، مع اختصاصات الحكومة».
في المقابل، فإن العضو السابقة في «ملتقى جنيف»، جازية شعيتير، دافعت عن خريطة الطريق التي كانت من المشاركين في إقرارها قبل أكثر من أربع سنوات، وحددت اختصاصات «الرئاسي»، وقالت إنها «صُممت لمرحلة انتقالية حتى انعقاد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، بحيث لا تتجاوز المرحلة الانتقالية عاما ًواحداً».
وأضافت شعيتير: «(ملتقى جنيف) أقرّ مهمات محددة لـ(المجلس الرئاسي)، مثل المصالحة وتسهيل الانتخابات، كما أن صلاحيات (الرئاسي) قُلّصت لصالح مجلس النواب، بحيث لا تحدث أي شقاقات».
وعادت لتقول أيضاً: «مراسيم القوانين، وهيئة الاستفتاء لم تقرها خريطة الطريق من ضمن صلاحيات الرئاسي، بينما يندرج ضمن صلاحياته فقط تشكيل هيئة المصالحة الوطنية».
وأقرَّت خريطة الطريق المنبثقة من «ملتقى جنيف» 2021 «صلاحيات (المجلس الرئاسي)، بتمثيل ليبيا في الخارج وقيادة المؤسسة العسكرية وتوحيدها، وتيسير الانتخابات، وإدارة ملف المصالحة الوطنية، وتعيين بعض المناصب السيادية».
وخلال المظاهرات الأخيرة التي اجتاحت العاصمة ضد حكومة طرابلس، لوحظ، وعلى غير المعتاد، عدم بث مكتب «المجلس الرئاسي» صوراً للقاء قادته الثلاثة، رغم أنباء عن اجتماعهم لبحث الأزمة.
ومن منظور المحلل السياسي رمضان شليق، فإن «اللافي والكوني كانا مع إرادة الشعب خلال مظاهرات تطالب بإسقاط الحكومة التي أدخلت العاصمة طرابلس في حرب دمرت فيها الممتلكات العامة والخاصة، في مقابل موقف رافض من الجانب المنفي»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط». إلى «تغير لهجة المتظاهرين الداعية إلى رحيل (المجلس الرئاسي) أيضاً».
وتأسس المجلس في عام 2016 بموجب «اتفاق الصخيرات» 2015 برئاسة فائز السراج و4 أعضاء آخرين، وعُدّل مجدداً في فبراير (شباط) عام 2021 بموجب «اتفاق جنيف»، ليتكون في تشكيله الثاني من رئيسه الدبلوماسي السابق محمد المنفي (ممثلاً لبرقة) ونائبين يمثلان إقليمَي طرابلس وفران.
ومن بين السياسيين من لا يرى «أهمية للحديث عن مستقبل (المجلس الرئاسي) الذي لم يكن في دائرة التأثير؛ ما يجعل من وجوده أو غيابه سواء»، وهو رأي تبناه الأكاديمي ورئيس «الحزب المدني الديمقراطي» الدكتور علي الصبيحي، الذي عدَّ أن «المناكفات والتضاربات الأخيرة جعلت (المجلس الرئاسي) جزءاً من الأزمة وعائقاً حقيقياً أمام أي مسار».
ويتوقع الصبيحي «مشهداً سياسياً جديداً يقوم على حل جذري يتطلع إليه الليبيون بأحزابهم السياسية ومكونات المجتمع المدني»، آملاً «مساراً تأسيسياً جديداً بـجمعية وطنية تعيد تأسيس شرعية الدولة على أسس دستورية يقرّها الشعب الليبي».