
يتحدّث الصحافي آلجي حسين في كتابه الأول «ألغام غرفة الأخبار»، في تجربته الأولى عن الواقع الإعلامي بشقَيْه: الميداني على الأرض/ والعمل في غرف الأخبار، ونقل تحديات مهنة الصحافة في دول العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
الكتاب وقّعه كاتبه في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدورته الرابعة والثلاثين، أخيراً. وهو صادر عن «دار تعلّم للنشر والتوزيع» في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتطرّق إلى خفايا غرف الأخبار ومقارنتها مع أكثر أنوع الأسلحة خطورةً مثل النووية.
من جهة ثانية، يتوزّع الكتاب على عشرة فصول، ويتضمّن مقدمة بعنوان «هذا الكتاب لهذا»، ثم تتوالى عناوين الفصول «الكلمة رصاصة في حقل ألغام»، و«الأخبار المروعة»، و«القوة الناعمة للأخبار»، و«فلسفة نظريات الإعلام». ويأتي وسط زحمة أخبار جذابة يصنعها الصحافيون ويتسيّدون أبطالها، وبين مشاهد الرعب والدمار والألغام في العالم. ثم إن الكتاب يدق ناقوس الخطر، محذراً من الاستخدام غير السليم للكلمة؛ إذ يقول حسين إن «الكلمة رصاصة، يجب حسن استخدامها وترتيب توقيتها وانتقائها ووضعها في سياقها الصحيح، إنسانياً ومهنياً».
السير في حقل الألغام
آلجي حسين، المحرّر الصحافي السوري الكردي الذي عايش وغطى إعلامياً حروباً وأزمات عديدة في سوريا والعراق والصومال، تناول في بداية حواره مع «الشرق الأوسط» عن كتابه الأول، أنه كُتب بعيداً عن غرف الأخبار المكيفة. كما يصف، موثقاً عبر عدسة كاميرته وقلمه مشاهد النزوح القسرية ومآسي المخيمات وأهوال الإرهاب، والأزمات الإنسانية التي عصفت بمسقط رأسه القامشلي وبلده سوريا على مدار 14 سنة مضت.
ويشرح حسين: «الكتاب نبع من تجربة شخصية؛ ليعبّر عن هواجس وتساؤلات عما يدور في ذاكرتي الصحافية اليومية بين ثنايا الأخبار، ولا سيما نقل الهموم والتطورات المتسارعة إلى جمهور القراء». ويضيف أن الشريحة الأكبر من الجمهور يجهلون أن هذه المهنة لا تخلو من المصاعب والتحديات «ولا سيما العمل الميداني».
يعرض آلجي حسين في كتابه «دهاليز» اجتماعات إدارة التحرير وغرف الأخبار وتغطيات المراسلين الميدانيين، التي يشبهها بمذكراتِ جندي نجا من الموت بعد سيره في حقلِ ألغام. ولا ينسى التغطيات الساخنة، وكيف أن كثيرين من الصحافيين والإعلاميين لاقوا حتفهم وهم ينقلون الحقيقة. ويروي أسئلة الموت والحياة في عالمِ الصحافة، وكيفَ تحولت إلى قوة ناعمة، وكلمةِ الفصل في ساحاتِ الحرب.
«ألغام غرفة الأخبار» يقع في 100 صفحة من القطع المتوسط. وحسب كلام مؤلفه، يبيّن أن محرّر الأخبار هو ذاته الذي عليه السير في حقل الألغام أو حتى في منجم فحم. وهنا يوضح المؤلف شارحاً: «قد ينفجر بك لغم في أي لحظة، أما غرفة الأخبار فهي تحدٍّ من نوع آخر!… لأن عالم النشر تحدٍّ في زمن تسارع الأحداث وتعقيدات الوضع الميداني على الأرض».
ثم يقول إن الفرق الوحيد بين «الزرّين» في النشر و«الأسلحة النووية» هو أن الأسلحة تدمر البنية التحتية والبشرية، في حين أن «زر النشر» قادر على تغيير المعارف والاتجاهات الإنسانية، ويؤثّر في السلوك العام، ويلعب دوراً كبيراً في تبنّي المواقف.
بعد ذلك، يسرد حسين: «من تطورات الحرب السورية بعد سقوط النظام المخلوع نهاية العام الماضي، واستمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وتقلّبات الحربَيْن السودانية واليمنية، وكوارث الحرب في غزة، والملفات الساخنة في أفريقيا… ومروراً بالانقسامات اللبنانية، فضلاً عن أحداث اللجوء وصعود اليمين المتطرف في أوروبا، إلى أميركا اللاتينية وانتخاباتها، مع تعقيدات آسيا؛ كلها أحداث يلخصها هذا الكتاب كما لو كانت (وجبات سريعة يقتاتها الصحافي في غرفة الأخبار)».
الصحافة مهنة السّير بين الكلمات
وفي فصل «الأخبار لذة وأذى» يعلّق حسين، قائلاً إن «مهنة الإعلام تحرق الأعصاب، وتتطلّب المتابعة الكثيفة ودقة في نقل الأخبار»، مضيفاً: «قدرُنا أن نبقى ساعات طوالاً جالسين وراء شاشات الكمبيوتر نتابع ونرصد ونحرر ونترجم ونصنع ما يصلنا من الأخبار». ويتابع مؤكداً أنه يعيش كل يوم أكثر من عشر ساعات مضنية بين ثنايا الأخبار؛ «لأستكمل المهمة في المنزل على شاشة التلفاز، مروراً بالهاتف المتحرك (بين بين)، وليس انتهاءً بمذياع السيارة، ما يعني أنني وصلت إلى مرحلة من الذروة في تذوّق الأخبار، لا يمكن الانفصال عنها بسهولة».
وفي فصل «الكلمة رصاصة في حقل ألغام» يبدأ المؤلف كاتباً عن الصحافة: «علّمتنا ولا تزال كيفية السير بين الكلمات، فالسير بين الكلمات كالسير بين ألغام، هذا إذا افترضنا أن فريق كشف الألغام الذي يرافقنا هو حسّنا الأمني والإنساني والمهني».
ثم يوصي المؤلف زملاءه في فصل «النداء الأخير للمحرّرين» من الكتاب، بتعزيز مهارة الإيجاز أو الاختصار أو البلاغة في كتاباتهم، من دون إخلال باللغة أو المعنى أو التفاصيل، ناصحاً: «استخدموا اللغة الإعلامية البيضاء البسيطة الفصيحة من دون أخطاء أو بلاغة فجة، واصقلوا مواهبكم بشكل كبير، والبحث عن الملاحظات وليس المديح؛ لأننا تلاميذ إلى الأبد».
في رأي آلجي حسين، يضع الإعلام، وبالذات عالم الأخبار، الصحافي أمام اختبار في كل خبر وتغطية قد لا ينظر إليها محرر آخر بالأهمية نفسها، ثم يقول: «إن الملفات الحساسة التي تهمّ الموقع، حسب سياسة التحرير، هي من القصص التي أضع لها اعتباراً كبيراً، وتشكل معضلة أخلاقية كبيرة، وهذا يتحقق بطبيعة الحال في المواضيع السياسية حسب كل دولة»، وهذا بالطبع، إلى جانب معرفة التشابكات ولغة المصالح بين الدول، وانعكاس ذلك على سياسة الوسيلة الإعلامية.