
“رحلة المُجوّعين”.. رصاصة إسرائيلية تخطف فلسطينية قبل إطعام أطفالها
غزة/ الأناضول
في رحلة محفوفة بالمخاطر والموت، أصرت الفلسطينية ريم زيدان على الوصول إلى مركز توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية غرب مدينة رفح، أملا في الحصول على طرد غذائي يسد رمق أطفالها الذين أنهكهم الجوع على غرار أكثر من مليون طفل في قطاع غزة؛ بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق.
هذه الرحلة خاضتها زيدان وأطفالها الثلاثة تحت زخات الرصاص التي أطلقها الجيش الإسرائيلي عشوائيا صوب المدنيين “المُجوعّين” الذين كانوا يتوجهون إلى المركز بحثا عن أدنى مقومات الحياة.
زحفا، حثت زيدان أطفالها على مواصلة المسير إلى جانبها داعية إياهم لتوخي الحذر خشية إصابتهم برصاصة إسرائيلية، وفق ما رواه الأطفال في أحاديث منفصلة للأناضول.
ورغم أن الموت كان يحيط بهم، إلا أن زيدان رفضت التراجع عن هذه الرحلة وذلك خوفا من موت أطفالها جوعا، لكنها لم تعلم أن الثمن سيكون حياتها.
ولكسر حاجز الخوف لدى أطفالها قالت لهم زيدان “لو قُتلنا فداء لفلسطين، ولو عدنا سالمين غانمين سنوزع من هذه المساعدات على من لم يجد طعاما”.
وبينما كانوا يتابعون الطريق إلى المركز، استقرت رصاصة إسرائيلية في رأس الأم على مرأى من أطفالها الذين وقفوا مصدومين وعاجزين عن إسعاف والدتهم التي كانت تنزف دما وسط حالة من الذعر والقهر.
وفي لحظاتها الأخيرة، طلبت الوالدة من أطفالها الانسحاب وتركها وحيدة خوفا عليهم من ذات المصير، وخلعت لهم خاتمها الوحيد وحذاءها وكأنها تودعهم بلغة لا تحتاج إلى كلمات.
وبتجويع متعمد يمهد لتهجير قسري، وفق الأمم المتحدة، دفعت إسرائيل 2.4 مليون فلسطيني في غزة إلى المجاعة، بإغلاقها المعابر لأكثر من 90 يوما بوجه المساعدات الإنسانية ولاسيما الغذاء، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت إسرائيل في 27 مايو/ أيار الماضي، تنفيذ مخطط مشبوه لـ”توزيع مساعدات”، عبر ما تُسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة إسرائيليا وأمريكيا.
ولم تسمح تل أبيب إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى مُنقذ للحياة.
**مجازفة بالأرواح
الطفل عبد الرحمن زيدان، قال للأناضول إنه اقترح على والدته الخروج في ساعات مبكرة من فجر ذلك اليوم الذي قتلت به (قبل العيد)، وذلك من أجل ضمان حصولهم على المساعدات.
وأوضح الطفل أن هذا الاقتراح جاء بعد 3 أيام متتالية توجه خلالها إلى المركز لكن دون الحصول على شيء.
وتابع، أن المدنيين المجوعين كانوا يتعرضون بشكل يومي لإطلاق نيران عشوائية من الجيش الإسرائيلي المتمركز قرب مركز المساعدات الأمريكية الإسرائيلية.
وذكر أنهم حينما وصلوا إلى منطقة قريبة من المركز بدأ الجيش الإسرائيلي عبر مسيراته وسلاح البحرية الإسرائيلية يطلق النيران صوب المدنيين.
واستكمل قائلا: “بدأنا الزحف، واستمرينا في التقدم نحو المركز ووالدتي طلبت منا آنذاك النطق بالشهادتين”.
واختصر الطفل عبد الرحمن عملية الوصول إلى مركز المساعدات بكلمة “المجازفة بالأرواح” وذلك بفعل ما يتعرض له النازحون من اعتداءات إسرائيلية تسفر عن مقتل وإصابة العشرات منهم.
وأشار إلى أنهم لم يعرفوا بداية لماذا يطلق الجيش الإسرائيلي النيران وما الهدف الذي يتم الإطلاق صوبه، لكنهم أدركوا أن هذا الاستهداف مباشر للمدنيين المُجوّعين.
ولفت إلى أن المجازفة بالروح تأتي في ظل عدم توفر أي بديل للحصول على الطعام خاصة في الارتفاع الباهظ لأسعار البضائع الشحيحة المتوفرة في الأسواق.
ونقل عن والدته قولها في ذلك الوقت: “لو استشهدنا فداء لفلسطين، ولو عدنا سالمين غانمين سنوزع من المساعدات على الناس التي لم تحصل على طعام”.
ورغم المخاطرة، يقول عبد الرحمن إنهم استمروا في التقدم وسط زخات الرصاص التي أطلقت صوبهم بشكل متواصل لمدة وصلت إلى نحو 10 دقائق.
**لحظة الإصابة
وأوضح عبد الرحمن أن والدته تهاوت أمام أعينهم بعدما أصيبت برصاصة إسرائيلية في رأسها.
وتابع بصوت حزين: “آنذاك بدأت بتلقينها الشهادتين، وكنت أتوسل إليها كي تسند نفسها وتتحرك”.
لكن هذه التوسلات لم تجد صدى لها في ظل الوضع الصحي الخطير الذي كانت تعاني منه والدته جراء الإصابة.
وبعد مطالبة والدتهم بالانسحاب، قال زيدان إنهم اضطروا إلى التراجع لكن قلوبهم بقيت معلقة حيث والدتهم مصابة.
وأضاف: “كانت على قيد الحياة حينما تراجعنا، لكن لم نجد من ينقذها”.
وأشار إلى أنه يشعر بالقهر كلما استذكر كيف سقطت والدته أمام عينه لأجل كيلو واحد من الدقيق وعلبة زيت كي لا يموتوا من الجوع.
ورغم هذه المخاطرة الكبيرة، إلا أنهم وصلوا إلى خيمتهم التي تؤويهم بدون والدتهم وبلا أي مساعدات تسد رمق أشقائهم الأصغر.
وطالب بضرورة وقف حرب الإبادة الجماعية وإدخال المساعدات لإنقاذ حياة المُجوعّين من الموت.
**”استشهدت لنأكل”
بحالة من الحزن، يقول الطفل أحمد زيدان، إن والدته كانت تمثل بالنسبة له كل الأمان والفرح في هذه الحياة.
ويضيف للأناضول، إن أمه كانت “مصدر الأمان فحينما يقصف الجيش الإسرائيلي بجانبنا ننام في حضنها، كما أنها كانت تحرص على تدفئتنا وتلبية احتياجاتنا”.
وأوضح أن والدته قُتلت من أجل حصولهم على لقمة طعام تحميهم من الموت جوعا، مضيفا: “استشهدت لنأكل، لنحصل على كيس طحين”.
وعبر عن حالة من القهر اجتاحته حينما ترك والدته وحيدة وهي مصابة وسط عجزه عن تقديم المساعدة لها أو إنقاذها.
وقال بهذا الصدد: “الأفضل أن يموت أطفالك من الجوع بكرامة، ولا تذهب لتستلم هذه المساعدات وتنزف أمامهم دون مقدرتهم على مساعدتك… ماذا سنفعل وسط هذا العجز؟ سنبكي ونُقهر”.
وأشار إلى أن هذا العيد حزين جدا بعدما فقد والدته، مضيفا: “هذا عيد الدم والشهداء”.
ولفت إلى أنه فقد في عيد الفطر الماضي شقيقه “نبيل” فعاشوا الحزن في العيد الأول.
**وداع أخير
وقبل مقتلها، قال الطفل أحمد إن والدته أوصته بالعناية بأشقائه في حال أصيبت ولم تستطع العودة إلى الخيمة.
وحينما تحقق هذا الحدث المؤلم، بدأ أحمد بالتوسل إلى والدته كي تسند نفسها وتساعدهم في اصطحابها إلى المستشفى لكن الإصابة كانت أقوى منها.
وتابع: “قالت لي هذ الخاتم وهذه الأغراض والحذاء وغادر المكان برفقة شقيقيك كي لا نقتل جميعا”.
وترك الأطفال والدتهم مصابة وعلى قيد الحياة في المكان وغادروا منطقة توزيع المساعدات، ليبدؤوا حينها بالبحث عنها في المستشفيات على أمل أن يكون قد تم عملية إنقاذها وإرسالها لمستشفى.
لكنهم لم يجدوا لها أثر، وبعد مضي 3 ساعات عثروا عليها ضمن القتلى مجهولي الهوية الذين تم انتشال جثامينهم من قرب مركز توزيع المساعدات، وفق قوله.
والسبت، أعلنت وزارة الصحة بغزة ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية من مراكز “المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية” جنوبي القطاع إلى 110، وعدد المصابين إلى 1000، منذ 27 مايو الماضي.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق، إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر بوقفها صادرة عن محكمة العدل الدولية.
وخلفت الإبادة أكثر من 180 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: