محمد المخلافي: تجليات الشعر تحت زخات المطر في ديوان (مطرٌ على خدِ الطين) للشاعر حسين السياب

محمد المخلافي: تجليات الشعر تحت زخات المطر في ديوان (مطرٌ على خدِ الطين) للشاعر حسين السياب

محمد المخلافي: تجليات الشعر تحت زخات المطر في ديوان (مطرٌ على خدِ الطين) للشاعر حسين السياب

 

محمد المخلافي
مجموعة “مطر على خد الطين” للشاعر العراقي حسين السياب، تُعد عملاً مميزا يعكس تناقضات الوجود الإنساني، حيث تمزج بين الألم والجمال، والحنين واليأس. تتميز أيضا بمعاني عميقة تُظهر كيف تتفاعل عناصر الطبيعة مع التجارب الإنسانية، مما يجعلها رحلة شعرية تسعى لاكتشاف معانٍ جديدة للحياة. صدرت عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في بغداد عام 2024، وتتألف من 86 صفحة.
قراءة في العنوان:
عنوان “مطر على خد الطين” يُعتبر مدخلاً ثرياً لفهم عمق النصوص الشعرية. يجسد العنوان تفاعلاً بين المطر، الذي يرمز للحياة والتجدد، والطين، الذي يمثل الجذور والواقع اليومي. يوضح هذا التفاعل كيف يمكن للجمال أن يظهر حتى في أصعب الظروف، مما يعكس قدرة الشاعر على تحويل الألم إلى جمال. عندما يتساقط المطر على خد الطين، يُشير ذلك إلى لحظة إلهام وتجديد، حيث تتفاعل عناصر الطبيعة لتخلق صورة شاعرية تعكس تجربة إنسانية غنية. يتناول السياب الصراع بين الرغبة في السمو الروحي والواقع، مما يُثري نصوصه بمشاعر متباينة من الأمل والحنين.
المحور العاطفي:
تتجلى مشاعر الحب في العديد من النصوص، حيث يستخدم السياب لغة شعرية تعبّر عن الشغف والحنين. في إحدى القصائد، يقول: “تركت جميع أحلامي مفتوحة لعلك تأتين”، مما يُظهر كيف يمكن للحب أن يكون مصدراً للأمل والتجدد. كما يصف الحب بعمق عاطفي عندما يذكر: “تعالي واحفري في أعماق الشعر قصائد مسافرة تليق بموت الأغاني”، مما يعكس كيف يتجاوز الحب الحدود ليصبح جزءاً من التجربة الشعرية. لكن الحب لا يخلو من الألم، وهو ما يُظهره السياب بوضوح في نصوصه. يقول: “أرصفة الغياب تسحبني إليك ولا أعرف كيف أنجو منك!”، مما يدل على الصراع الداخلي بين الرغبة في التواصل والخوف من الفقد. يتكرر شعور الحزن في قوله: “هذا المطر الحزين يجعلني كطفلٍ يبكي”، حيث يُعبر عن استسلامه لمشاعر الفجيعة والألم، مما يضيف عمقاً إنسانياً على نصوصه.
البحث عن الجمال:
تتداخل مشاعر البحث عن الجمال مع جميع التجارب الأخرى في الديوان. يُظهر السياب شغفه للجمال في قوله: “أمارس غواية الروح في مجالس التوابين”، حيث يسعى لإيجاد الجمال حتى في لحظات الضعف. يُعبر عن هذا البحث بوضوح عندما يقول: “لا أهادن أمواج عينيك الهادرة لكن السحر الذي تصدريه للعالم يذهلني”، مما يعكس سعيه الدائم نحو الجمال، الذي يُعتبر عنصراً أساسياً في نصوصه. تُستخدم الطبيعة كرمز للأمل والتجدد، حيث يُعبر الشاعر عن ارتباطه العميق بها، كما في قوله: “ذاكرة غيمة محملة بماء الأوطان”، مما يُظهر مشاعر الفقد والحنين.
البناء الفني:
يمتاز أسلوب حسين السياب بتنوعه وغناه، حيث يستخدم مجموعة من التقنيات الشعرية. تُعد الصور الشعرية أحد أبرز عناصر أسلوبه، حيث يتمكن من تشكيل مشاهد حية ومؤثرة، كما في تشبيهه الأنثى بـ “طيف عابر”، مما يمنح القارئ تجربة عاطفية غنية. تتجلى الرموز في نصوص السياب كعنصر أساسي لفهم المعاني العميقة، حيث يُستخدم المطر كرمز للحياة والطين كرمز للواقع، مما يُعبر عن التوتر بين الرغبة في السمو الروحي والقيود التي يفرضها الواقع.
تتميز لغة السياب بالبساطة والوضوح مع لمسة من الجمالية الشعرية، مما يسهل على القارئ الانغماس في عالمه الشعري. كما يسهم الإيقاع في خلق حالة من الانسيابية، مما يجعل القارئ يتفاعل مع النصوص بشكل أعمق. يتناول السياب واقع الحياة المرير المليء بالصعوبات، لكنه يسعى نحو عوالم خيالية لتحقيق السمو الروحي. في نصوصه، يتنقل بين هذين العالمين، مما يخلق صورة متناقضة تعبر عن التوتر بين ما هو حقيقي وما هو متخيل.
تساهم الرموز والعناصر الطبيعية في تجسيد هذا الصراع، حيث يُستخدم المطر كوسيلة للهروب من قسوة الواقع. كما تلعب الطبيعة دوراً مهماً في تشكيل الخيال، مما يخلق شعوراً بالحنين ويعكس الصراع بين الذكريات الجميلة والواقع القاسي.
نموذج من قصائد حسين السياب
( أوراق غادرها المطر )
 
هذا البحر لي
غريق في أعماقه لا أريد النجاة،
أمواجه قصائدي الثائرة
أخشى أن تقذفها الرياح إلى شوارع المدينة الحزينة..
أخاف عليها أن تتسرب تحت بيوت الأحياء الشعبية الرطبة،
فتلتقطها الجرذان التي تتجسس على الفقراء..
هذا البحر يضيء قلبي
حين تبخل السماء بالضياء..
كالطفل أبكي له وأحرك أحزانه
كالأم يجمع دموعي المتسللة من كلماتي
ويرمي بها للقمر..
يدثرني بروح الماء، يغني لي تراتيل البحارة، المتحدين بسمرة الوجوه وذاكرة السمك..
هذا البحر لي وحدي
غريق في أعماقه، لا أريد النجاة..
السيرة الذاتية والإنجازات الأدبية:
حسين السياب، شاعر وكاتب عراقي من بغداد، يحمل شهادة دبلوم في الإدارة والاقتصاد. هو عضو في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، عضو مؤسسة “بلا أقنعة الثقافية” في بغداد، ويعمل مستشاراً لبيت الهايكو في العاصمة تونس.
شارك السياب في مهرجانات وندوات ثقافية في عدة دول عربية، مثل تونس ومصر وسوريا. كان له حضور بارز في مهرجان المربد في البصرة في دورته الخامسة والثلاثين، وكذلك في مهرجان روافد الفنون في القيروان. كما شارك في جلسات شعرية في بيت الشعر العربي في القيروان، ومهرجان الإبداع والفنون في القاهرة على مدى دورتين.
أما مؤلفاته، فقد أصدر مجموعته الشعرية الأولى “بتوقيت القلب” في بغداد عام 2019، وتلتها طبعة ثانية في 2020. كما أطلق مجموعته الشعرية الثانية “تسابيح الوجع” في 2020، و”عزف الرمال” في 2022، و”مطرٌ على خدِ الطين” في 2024.
في مجال الصحافة والإعلام، نُشرت العديد من قصائده في صحف ومجلات عراقية وعربية بارزة مثل “الصباح”، “الحقيقة”، و”المصري اليوم”. بالإضافة إلى ذلك، كتب مقالات ثقافية تناولت دراسات نقدية لمجموعاته الشعرية، من قبل نقاد عراقيين وعرب، مثل الشاعر والناقد جبار الكواز، والأستاذ عبد السادة البصري، والأستاذة هدى كريد.
في ختام استعراض ديوان “مطر على خد الطين”، يتضح أن النصوص تعكس تجارب إنسانية عميقة عبر مشاعر الحب والألم والبحث عن الجمال. يظهر الصراع بين الواقع والخيال بوضوح، حيث يستخدم السياب الرموز والعناصر الطبيعية لتجسيد هذا التوتر، مما يُثري تجربته الشعرية ويجعلها أكثر تأثيراً. بأسلوبه الشعري المتنوع وصوره الحية، يتمكن السياب من نقل مشاعر معقدة بوضوح وجمالية، مما يجعل من الديوان عملاً فنياً متكاملاً. يُعتبر هذا الديوان واحداً من أبرز الأعمال في الأدب العربي المعاصر، حيث يعكس قدرة الشاعر على التعبير عن آلام وآمال الإنسان في زمن مليء بالتحديات.
كاتب وباحث | يمني

ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: